الاقتصاديةالتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي في التسويق..من أداة مساعدة إلى قوة مضاعفة

في مكاتب الشركات ووكالات التسويق حول العالم يتردد سؤال مُلح: هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على وظائفنا؟

الحقيقة ليست كذلك تمامًا؛ الذكاء الاصطناعي لن يلغي عمل المسوقين، لكنه سيعيد تعريف مهنتهم ويرسم بوضوح الحدود بين المحترفين الحقيقيين وأصحاب الأداء الروتيني.

فالذكاء الاصطناعي ليس قائدًا للإبداع ولا صانعًا للاستراتيجيات، بل هو أشبه بمتدرب شديد الذكاء وسريع التنفيذ، يحتاج دائمًا إلى من يرشده ويضبط مساره.

ومن يتقن فن قيادته سيحوّله من أداة تلقائية إلى قوة حقيقية تضاعف الإنتاجية وتحسن النتائج.

ورغم الضجة الإعلامية التي تُسوّق للذكاء الاصطناعي باعتباره الحل السحري، إلا أن كثيرًا من المسوقين يتعاملون معه وكأنه آلة بيع ذاتي: أوامر غامضة ومختصرة، ثم شكاوى من مخرجات باهتة تفتقر إلى التميز.

المشكلة ليست في الأدوات نفسها، بل في طريقة استخدامها. فالذكاء الاصطناعي لا يفكر؛ هو ببساطة يتنبأ بما يجب أن يقوله لاحقًا، وهذا يعني أنه ينتج محتوى متوسط المستوى ما لم توجهه نحو ما هو استثنائي.

تخيل أنك عينت متدربًا جديدًا وطلبت منه وضع استراتيجية تسويقية كاملة دون تفاصيل. النتيجة ستكون مصطلحات عامة ومخرجات ضعيفة.

هكذا يعمل الذكاء الاصطناعي أيضًا. لكي تحصل على محتوى محترف، يجب أن تتحول أوامرك إلى موجز عمل واضح يشمل:

  • تحديد الجمهور المستهدف بدقة (مثال: أمهات عاملات يبحثن عن حلول سريعة).

  • تحديد الهدف الواضح (مثال: زيادة الوعي أو رفع المبيعات أو بناء الثقة).

  • تحديد النبرة والأسلوب المناسبين (مثال: علمي موثوق أو ودّي مرح).

  • تحديد القيود (مثال: تجنب المصطلحات المعقدة أو ذكر المنافسين).

الفرق بين أمر عام مثل “اكتب مقالًا عن تغذية الكلاب” وأمر محدد مثل “اكتب مقالًا من 700 كلمة يستهدف جيل الألفية من محبي الحيوانات الأليفة بنبرة علمية مدعومة ببيانات حديثة” هو الفرق بين الفوضى والاحتراف.

لا تتوقع الكمال من المحاولة الأولى؛ ما ينتجه الذكاء الاصطناعي هو المادة الخام التي تحتاج إلى مراجعة وتحرير. عامل هذه المسودة كما تعامل عمل موظف مبتدئ:

  1. حدد نقاط الضعف والصياغات المستهلكة.

  2. تخلص من الحشو والمبالغات غير المفيدة.

  3. عدّل النبرة لتتماشى مع هوية علامتك التجارية.

أعد صياغة الأمر التوجيهي بناءً على ملاحظاتك وشغّله من جديد. غالبًا ما تتحسن المخرجات تدريجيًا حتى تصل في المحاولة الثالثة إلى محتوى عالي الجودة يعكس صوتك الخاص.

لا توجد أداة واحدة لكل شيء؛ الاعتماد على أداة واحدة فقط يشبه محاولة بناء منزل بمطرقة فقط. المسوق المحترف يبني ترسانة متنوعة:

  • لصياغة المسودات والأفكار: شات جي بي تي.

  • للحصول على بيانات آنية وإحصاءات: بيربلكستي أو جيميناي.

  • لإنشاء الصور والمحتوى البصري: ميدجورني أو أدوات كانفا.

  • للهيكلة والقوالب السريعة: جاسبر.

لكل أداة نقاط قوة واستخدام محدد، والمتميز هو من يعرف متى يستخدم كل سلاح في ترسانته.

لن يقضي الذكاء الاصطناعي على المسوقين المبدعين، لكنه سيكشف أولئك الذين يكتفون بإعادة إنتاج المحتوى السائد أو النشر من أجل النشر.

سيتفوق الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى المتوسط، لكنه لن يحل محل الإنسان القادر على التخطيط، التعاطف، فهم الفروق الثقافية الدقيقة، وقراءة ما وراء سلوك العميل.

لذلك لا تسلم مفاتيح القيادة للذكاء الاصطناعي، بل عيّنه كأذكى متدرب لديك. درّبه، ضع له الأهداف والضوابط، ووجّهه باستمرار. عندها فقط سيصبح الذكاء الاصطناعي أقوى آلة في أوركسترا إبداعك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى