الاقتصادية

الثورة الرقمية في العقارات: كيف يغيّر الإنترنت طريقة البحث عن المنازل؟

في عصر تتسارع فيه الحياة وتتنامى فيه التقنيات، لم يعد البحث عن منزل جديد يقتصر على زيارة المكاتب أو تصفح الإعلانات المطبوعة.

بالنسبة لـ”أوليفر كولنز”، الموظف السابق في القطاع الحكومي، أصبح اكتشاف العقارات تجربة رقمية متكاملة، حيث يمكنه متابعة ابنه وهو يتنقل بين التطبيقات والمنصات الرقمية ليكتشف عشرات المنازل المتاحة، مصحوبة بجولات ثلاثية الأبعاد، مقاطع فيديو تفاعلية، وتقييمات حيّوية من سكان المنطقة.

تذكر كولنز تجربته قبل أكثر من عقدين، حين استغرق شراء منزله ساعات طويلة من المكالمات والزيارات الميدانية، وما كان يستغرق أيامًا أصبح اليوم ممكنًا ببضع نقرات فقط.

هذا التحول يبرز كيف أن القطاع العقاري انتقل من الأساليب التقليدية إلى عالم رقمي أكثر سرعة وشفافية، مع أدوات مبتكرة تغير شكل تجربة المشترين بالكامل.

لم يعد المشترون مجرد متلقين سلبيين للإعلانات؛ فهم اليوم يعتمدون على الإنترنت للمقارنة واتخاذ قراراتهم بثقة. في الولايات المتحدة، أظهر تقرير الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين لعام 2024 أن 97% من مشتري المنازل استخدموا الإنترنت في عملية البحث، بينما تشير بيانات المملكة المتحدة إلى أن 93% من المشترين يعتمدون على القنوات الرقمية، بما يفوق المتوسط العالمي.

الهاتف المحمول أصبح الأداة الرئيسية لاكتشاف العقارات، فوفق نفس التقارير، بدأ 76% من المشترين رحلتهم عبر الهواتف الذكية مقارنةً بـ36% قبل عشر سنوات، ليصبح الهاتف نافذة أساسية بديلة عن الزيارات الميدانية أو الصحف التقليدية.

منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام، تيك توك، وفيسبوك أصبحت أدوات رئيسية للتسويق العقاري، مع مقاطع الفيديو القصيرة والبث المباشر والتعاون مع المؤثرين لجذب الجيل الجديد من المشترين.

كما ساعدت الإعلانات المبرمجة وتحسين محركات البحث على استهداف الجمهور بدقة أكبر، بناءً على الموقع، الدخل، والسلوك الرقمي.

التقنيات الحديثة مثل الواقع الافتراضي والمعزز جعلت الجولات العقارية تجربة تفاعلية، حيث يمكن للمشترين استكشاف العقارات ثلاثية الأبعاد من منازلهم.

و أظهرت بيانات شركة برايس ووترهاوس كوبرز أن العقارات المعروضة بهذه الجولات تلقت طلبات استفسار أعلى بنسبة 40% مقارنة بالصور التقليدية، فيما ساعدت الطائرات المسيرة على تقديم رؤية كاملة للموقع والمحيط.

أنظمة إدارة العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي أصبحت أيضًا عنصرًا أساسيًا، مع دعم مستمر وتوصيات مخصصة وأتمتة المتابعة لضمان عدم فقدان أي فرصة.

وفق بيانات ديلويت، يتوقع 56% من المشترين الحصول على معلومات دقيقة عن الحي والخدمات مباشرة عبر المنصات الرقمية، دون الحاجة للزيارات الميدانية.

رغم قوة الأدوات الرقمية، يبقى نجاح التسويق العقاري مرتبطًا بثلاثة عوامل: الوصول، الثقة، والتخصيص. الوصول أصبح عالميًا، إذ يمكن للمشتري في لندن استعراض عقار في دبي في ثوانٍ.

أما الثقة، فهي تحدٍ كبير، خاصة مع الإعلانات المبالغ فيها التي قد تثير شكوك المشترين، ما دفع المنصات للتركيز على القوائم المدعمة بالبيانات، تقييمات العملاء، والمعلومات الدقيقة عن الأحياء.

رغم الهيمنة الرقمية، لا يزال التسويق التقليدي مهمًا، خصوصًا في الأسواق الفاخرة، حيث يفضل المشترون الجولات الحصرية، المعارض، والكتيبات المطبوعة. لذلك، يظل النموذج الهجين الذي يجمع بين المصداقية التقليدية وسرعة الأدوات الرقمية الأكثر فاعلية.

في النهاية، يواصل القطاع العقاري دمج الابتكار الرقمي مع احتياجات السوق الواقعية، مع الحفاظ على الثقة كعنصر أساسي. المستقبل لن يكون فقط لمن يمتلك أدوات رقمية، بل لمن يعرف كيفية توظيفها لبناء جسور ثقة حقيقية مع العملاء، محققًا مزيجًا مثاليًا بين السرعة والشفافية والمصداقية.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى