الاقتصادية

الآثار الاقتصادية لتوقف صادرات الصين في ظل القيود التجارية الأمريكية

تواجه الصين تحديًا اقتصاديًا يضعها على مفترق طرق. فمن جهة، هناك نموذجها القائم على الاستثمار المكثف والذي أدى إلى ارتفاع كبير في الدين، ومن جهة أخرى، هناك الاعتماد المتزايد على الفائض التجاري لتعويض ضعف الاستهلاك الداخلي.

هذه المعادلة المعقدة تثير تساؤلات حول استدامة النمو الصيني على المدى الطويل، وتستدعي الحذر من الانزلاق في “فخ النمو” الذي قد يهدد الاستقرار الاقتصادي.

النمو الاقتصادي الصيني يبدو للوهلة الأولى قويًا، لكنه مبني على أساس متزايد من الديون. تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد الصيني يحتاج إلى كمية متزايدة من الديون لتحقيق كل وحدة نمو جديدة. ففي عام 2024، بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 303%، وهو ارتفاع ملحوظ عن 292% في عام 2023.

هذا الارتفاع ليس مجرد أرقام، بل هو مؤشر على أن كل يوان إضافي من النمو يتطلب استثمارات ضخمة، مما يعكس ضعفًا في الإنتاجية الحقيقية لهذه الاستثمارات.

أحد الأسباب الرئيسية لهذا الاعتماد على الديون هو الهيكل الاقتصادي للصين. فبينما تعتمد معظم الاقتصادات على الاستهلاك كمحرك رئيسي للنمو، حيث يمثل حوالي 76% من الناتج المحلي الإجمالي، في الصين يمثل الاستثمار نسبة كبيرة تصل إلى 43%، بينما لا يتجاوز الاستهلاك 53%.

هذا الاعتماد المفرط على الاستثمارات، وخاصة الاستثمارات غير المنتجة التي لا تحقق عائدًا كافيًا، يؤدي إلى تراكم الديون دون تحقيق نمو مستدام.

الاستثمارات غير المنتجة هي المشاريع التي لا تولد عائدًا اقتصاديًا يبرر تكلفتها، مثل:

  • مشاريع البنية التحتية الضخمة التي قد تكون غير ضرورية.
  • توسيع المصانع دون وجود طلب كافٍ على منتجاتها.
  • القطاع العقاري الذي شهد فقاعة قبل انهياره في عام 2022.

لمواجهة هذا الخلل الداخلي، تلجأ الصين إلى أداة أخرى: الفائض التجاري. في عام 2024، وصل الفائض التجاري للصين إلى 992 مليار دولار، وهو ما يمثل 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي وساهم بنسبة 30.3% في نمو الاقتصاد.

هذا الاعتماد على الصادرات هو وسيلة لتعويض ضعف الاستهلاك الداخلي والنمو غير الفعال للاستثمارات.

لكن هذا الاعتماد على التصدير يضع الصين في موقف هش. فإذا لم يزد الاستهلاك المحلي، فإن أي انخفاض في الفائض التجاري سيجبر الحكومة على العودة إلى زيادة الاستثمارات غير المنتجة وبالتالي رفع الدين بشكل أسرع.

وزيادة حصة الاستهلاك في الاقتصاد ليس بالأمر السهل. فعلى الرغم من أن اليابان حاولت تحقيق توازن مماثل في عام 1986، إلا أن الأمر استغرق منها 17 عامًا لزيادة نسبة الاستهلاك بعشر نقاط مئوية فقط.

يواجه صناع القرار في الصين تحديًا كبيرًا يتمثل في الاختيار بين نوعين من النمو:

  • نمو صحي: مدفوع بالاستهلاك الداخلي والفائض التجاري، لكنه صعب التحكم فيه.
  • نمو غير صحي: مدفوع بالاستثمارات غير المنتجة والديون، لكنه يزيد العبء المالي بشكل كبير.

مع تحديد هدف نمو الناتج المحلي بنسبة 5% لعام 2025، يبدو أن الصين محاصرة بين خيارين لا يخلوان من المخاطر. فهل ستستطيع الصين مواصلة الاعتماد على الصادرات في ظل الضغوط التجارية العالمية، أم ستضطر لزيادة ديونها لتحقيق أهداف النمو؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى