أهمية النظرة بعيدة المدى في النجاح المهني والاستثماري
يعتبر سؤال “كيف ترى نفسك في غضون 5 سنوات؟” من الأسئلة الشائعة التي تُطرح خلال مقابلات التوظيف، ويهدف من خلاله خبراء الإدارة والموارد البشرية إلى قياس مدى قدرة المرشح على التفكير طويل الأمد وتخطيط مستقبله الوظيفي.
الإجابة على هذا السؤال تكشف عن قدرة الشخص على إدارة تطوره المهني بعيدًا عن الانشغال بالتحديات اليومية، مما يعد مؤشرًا قويًا على استعداده لتحمل المسؤوليات الكبرى إذا كانت الوظيفة تتطلب ذلك.
القدرة على التفكير الاستراتيجي على المدى الطويل تفتح الأبواب أمام الفرص الوظيفية والنمو المهني، ويُعتبر نفس المفهوم ذو صلة وثيقة في عالم الاستثمار، وبالأخص في سوق الأسهم.
و من المعروف أن كثيرًا من المستثمرين يعانون من “تحيز قصر النظر”، وهو السبب الرئيس وراء خسائرهم المتكررة. في المقابل، يتمتع المستثمرون الذين يتبنون منظورًا مستقبليًا طويل الأمد بفرص أكبر للنجاح المستدام.
يُظهر الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل، دانيال كانيمان، أن العديد من المستثمرين يميلون إلى تقييم الخسائر بشكل أكبر من المكاسب، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات متحفظة بدافع الخوف من الخسارة.
هذه النظرة المبالغ فيها قد تدفعهم إلى تجنب الاستثمارات تمامًا أو الإغفال عن احتمالات الربح. وفقًا للعديد من الدراسات، فإن غياب الفهم الشامل للمخاطر والعوائد المحتملة يمكن أن يُبقي المستثمرين في دائرة الخسائر المستمرة، حيث يعجزون عن أخذ العوامل المختلفة في الحسبان.
كانيمان يشير إلى أن النماذج الأكثر نجاحًا في الاستثمار تعتمد على التخطيط المسبق لفترات زمنية طويلة، ويشمل ذلك وضع سيناريوهات متعددة للاستثمار وتحديد نقاط دقيقة للتدخل، سواء بالبيع أو الشراء، وفقًا لمعايير محددة مسبقًا.
هذا النوع من التخطيط يعزز قدرة المستثمر على تجاوز التقلبات السوقية القصيرة المدى ويزيد فرص تحقيق أرباح على المدى البعيد.
تشير الدراسات إلى أن المستثمرين الذين يتنقلون بين الأسهم بشكل سريع ويغفلون عن الاحتفاظ بأسهم لعدة أشهر أو سنوات، يتعرضون لخسائر تصل إلى 2-3% سنويًا، بينما تقل فرصهم في تحقيق الربح بنحو 90% مقارنة بمن يلتزمون بالاستثمار طويل الأجل.
دراسة حالة أجريت على سوق الأسهم الأمريكي لمدة 10 سنوات أظهرت ارتباطًا إيجابيًا بين فترة الاحتفاظ بالأسهم وأرباح المتداولين، حيث أثبتت الأبحاث أن النجاح نادر بين من يحتفظون بالأسهم لفترات أقل من 15 شهرًا.
بيتر لينش، أحد أبرز المستثمرين في تاريخ السوق الأمريكي، يروي تجربته مع مجموعة من أصدقائه الذين كانوا يتوقعون تحقيق أرباح سريعة في فترة قصيرة، إلا أن معظمهم واجهوا الخسائر بسبب اتخاذ قرارات استثمارية غير محسوبة.
أما لينش، فكان دائمًا يتبنى استراتيجية استثمار طويلة الأجل، حيث كان يركز على الشركات التي ستشهد نموًا كبيرًا على مدى 10-20 عامًا.
الاستثمار طويل الأجل كان أيضًا أساس استراتيجية وارين بافيت، الذي استثمر في شركة “أبل” في 2016 واستمر في احتفاظه بأسهمها لمدة 8 سنوات، معتبرًا أن أساس النجاح يكمن في تقييم الوضع التنافسي للشركة واستدامتها على المدى الطويل بدلاً من التركيز على التقلبات اللحظية.
يُعتبر تحيز قصر النظر في سوق الأسهم من أبرز العوامل التي تؤثر سلبًا على قرارات المستثمرين. هذا التحيز يتجسد في التركيز على عامل واحد فقط، مثل التوقعات الخاصة بهبوط أسعار الرقائق الإلكترونية، دون النظر إلى العوامل الأخرى التي تؤثر على سعر السهم.
أحد المستثمرين المعروفين، ريتشارد دينيس، يُظهر أن دراسة عميقة للأسهم تحتاج إلى شهور من البحث في الصناعة والشركة التي ستستثمر فيها، وهو ما يعكس أهمية التفكير طويل الأمد في اتخاذ القرارات الاستثمارية.
دراسة من جامعة “تكساس” التقنية أظهرت أن المتابعين المفرطين للأسواق يعانون من قصر النظر، في حين أن المستثمرين الذين يمتنعون عن مراقبة الأسهم بشكل دائم يتمتعون برؤية أفضل للأسواق.
وبالطبع، لا تقتصر الآثار السلبية للتحيز القصير الأجل على خسائر مالية فحسب، بل تشمل أيضًا تزايد القلق والتوتر بسبب الاستجابة المبالغ فيها للتغيرات اليومية في الأسواق.
تكمن الاستراتيجية الناجحة في سوق الأسهم وفي الحياة المهنية على حد سواء في القدرة على التخطيط بعيد المدى، وتحليل الوضع بشكل شامل، والابتعاد عن التفكير في المكاسب السريعة أو الخسائر المؤقتة.
النظرة المستقبلية بعيدة الأمد تمنح الأفراد الفرصة للبقاء في المسار الصحيح وتحقيق النجاح المستدام.