الأسواق الأمريكية في مفترق طرق: هل تواصل الارتفاع في 2025 أم يشهد الاقتصاد تصحيحًا؟
شهدت الأسهم الأمريكية ارتفاعًا ملحوظًا هذا العام، بدعم من طفرة غير مسبوقة في تقنية الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تراجع التضخم بعد عامين من ضغوط الأسعار المتواصلة.
وقد سمح هذا التراجع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالبدء في خفض أسعار الفائدة. كما أسهمت نتائج الانتخابات الرئاسية بفوز “دونالد ترامب” في دعم الأسواق الأمريكية، مما دفع المؤشرات الرئيسية إلى مستويات قياسية جديدة.
الآن، يحوم مؤشر “إس آند بي 500” حول 6 آلاف نقطة، مع توقعات من محللي بنكي “مورجان ستانلي” و”جولدمان ساكس” بأن يصل إلى 6500 نقطة في عام 2025.
لكن هذه التوقعات لم تكن في الحسبان في بداية العام، حيث كانت المخاوف من الركود الاقتصادي هي المسيطرة، خاصة في ظل دورة التشديد النقدي التي انتهجها الفيدرالي، إلى جانب التوترات الجيوسياسية، وعدم اليقين بشأن مسار التضخم.
تقف الأسواق اليوم على مفترق طرق في عام 2025، حيث يتساءل المستثمرون ما إذا كان العام المقبل سيكون استكمالًا للموجة الصعودية التي بدأت منذ عامين، أو ما إذا كانت الفقاعة ستنفجر مع جني الأرباح، مما يؤدي إلى تصحيح في الأسواق.
يتوقع “جون ستولتزفوس”، كبير استراتيجيي الاستثمار في “أوبنهايمر” لإدارة الأصول، أن يرتفع مؤشر “إس آند بي 500” إلى 7100 نقطة في عام 2025 بفضل الطفرة في الذكاء الاصطناعي.
كما يتوقع “مانيش كابرا”، رئيس استراتيجي الأسهم الأمريكية في “سوسيتيه جنرال”، أن تكون القطاعات المالية والتصنيع والطاقة محورًا رئيسيًا في جهود “ترامب” لإلغاء القيود التنظيمية، ما سيسهم في دفع الاقتصاد الأمريكي إلى الأمام.
و يُتوقع أن يسهم تقليل القيود التنظيمية في انتعاش قطاع التصنيع، الذي عانى من ركود الإنتاجية على مدى السنوات الـ15 الماضية.
إذا ألغى “ترامب” القيود على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن أرباح شركات النفط قد تنتعش، مما يضيف المزيد من التفاؤل للأسواق.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن يصل مؤشر “إس آند بي 500” إلى 7500 نقطة بحلول نهاية العام المقبل، وقد يتجاوز 8 آلاف نقطة في يوليو 2026، الذي يوافق الذكرى الـ250 لتأسيس الولايات المتحدة.
لكن على الجانب الآخر، يخشى بعض المحللين أن يؤدي تطبيق رسوم جمركية مرتفعة، إلى جانب سياسات الهجرة المتشددة التي قد يتبعها “ترامب”، إلى تقويض المكاسب المحتملة الناتجة عن خفض الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية.
يشير “بيتر بيريزين”، كبير الاستراتييين لدى “بي سي إيه ريسيرش”، إلى أن خفض الضرائب لم يعزز الإنفاق الرأسمالي خلال ولاية “ترامب” الأولى، ما يثير القلق بشأن الآثار السلبية لفوز “ترامب” في الانتخابات.
كما توقعت “باولا مورفي”، مديرة إدارة المحافظ لدى بنك “روكلاند تراست”، أن يؤدي الضغط التضخمي الناتج عن الحرب التجارية مع الصين إلى زيادة التقلبات في القطاعات التي تعتمد على سلاسل التوريد العالمية.
من ناحية أخرى، قد يؤدي تطبيق “ترامب” لسياسات الهجرة المتشددة إلى تقليص المعروض من العمالة، ما يرفع الأجور ويضغط على هوامش الربح، خاصة في القطاعات كثيفة العمالة مثل الزراعة والتصنيع.
و يتوقع “باري بانيستر”، كبير استراتيجيي الاستثمار لدى “ستيفل”، أن يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعيه المقبلين، لكن قد يتوقف عن خفض الفائدة في وقت لاحق بسبب استمرار التضخم وضعف النمو الاقتصادي.
و مع ذلك، يتوقع أن ينهي “إس آند بي 500” العام المقبل عند حوالي 5500 نقطة في حال حدوث تدهور اقتصادي أكبر.
يتعين على المستثمرين مراقبة تطورات الإيرادات والأرباح من الشركات التي تركز على الذكاء الاصطناعي.
وإذا فشلت هذه الشركات في جني أرباح كبيرة من استثماراتها في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، فقد يتبدد الضجيج حول هذه التقنية سريعًا.
تاريخيًا، شهد مؤشر “إس آند بي 500” مكاسب بنسبة 10% أو أكثر في 51 من السنوات الـ97 الماضية، لكنه لم يشهد زيادات بنسبة 20% أو أكثر في أعوام متتالية إلا ثلاث مرات فقط.
و في كل مرة، كانت السوق تعود إلى مسار الهبوط بعد سلسلة من المكاسب الضخمة، كما حدث خلال انفجار فقاعة الدوت كوم في عام 2000، حيث خسر المؤشر ما يقرب من نصف قيمته بحلول عام 2002.
بعد مكاسب بنسبة 24% في عام 2023، من المتوقع أن ينهي مؤشر “إس آند بي 500” تداولات هذا العام بإضافة حوالي 30%. السؤال الآن هو: هل تستمر هذه المكاسب في 2025، أم أن السوق سيدخل في مرحلة تصحيح بعد هذه الارتفاعات الكبيرة؟