الاقتصادية

كيف يبدأ الطريق إلى الحرية الاقتصادية بزيادة دور الدولة؟

– نحن أمةٌ وُلدت من قناعةٍ مفادها وجوب تحرر الشعوب، لكن منذ منتصف القرن الماضي، تمَّ تحريف هذه الفكرة عن مسارها.

– يبرّر أنصار اليمين السياسي الممارسات الاستغلالية بتغليفِها بخطاب الحرية، ما أدى إلى قيام شركات الأدوية بتحصيل مبالغ زائدة على الأدوية، وشركات التكنولوجيا الكبرى التي تعمل بلا رقيب، والشركات التي تلوث البيئة دون رادع، وهنا يحب أن نتساءل كيف وصلنا إلى هذا الحال؟

88e68abe 7ae9 4067 ba54 30a0e00c93f2 Detafour

– في كتاب “الطريق إلى الحرية: الاقتصاد والمجتمع الصالح”، يحلل الاقتصادي البارز والفائز بجائزة نوبل جوزيف ستيجليتز النظام الاقتصادي الأمريكي الحالي والأيديولوجية السياسية التي خلقته، ويكشف عن فشلهما المزدوج.

– لم تنجح الأسواق “الحرة” التي لا تقيدها قيود إلا في تقديم سلسلة من الأزمات: الأزمة المالية وأزمة عدم المساواة وغيرها من الأزمات.

– وبينما تتراكم الثروات لدى عدد محدود من الأثرياء، ظلت معظم الأجور راكدة، واستغلت الأسواق الحرة المستهلكين والعمال والبيئة على حد سواء.

– يمكن القول إن جوزيف ستيجليتز هو بلا شك أبرز خبراء الاقتصاد على مستوى العالم منذ عقود، ولا تشبه مسيرته المهنية مسيرة كبار الاقتصاديين في القرن العشرين مثل جون ماينارد كينز وميلتون فريدمان فحسب، بل تتفوق عليها من نواحٍ عدة.

– عمل أستاذًا في جامعة كولومبيا في نيويورك، وحصل على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2001، وفي الفترة بين 1993 و1995، شغل منصب رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة الرئيس الأمريكي كلينتون، ثم عُين كبير الاقتصاديين ونائب رئيس البنك الدولي.

– وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية في سنة 2009 عُين رئيسًا للجنة خبراء إصلاح النظام النقدي والمالي الدولي، وقد ألف أكثر من 10 كتب، بما في ذلك الكتاب الأكثر مبيعًا “العولمة ومساوئها”.

– وفي كتابه الجديد، ينحاز ستيجليتز بشكل قاطع إلى جانب جون ماينارد كينز، داعيًا إلى زيادة تدخل الدولة لتحقيق الرخاء الاقتصادي.

– وهو يقدم رداً على المؤلفات التي تتبنى وجهات النظر المحافظة مثل كتاب فريدمان الذي يُعد من معالم جيله “الرأسمالية والحرية” (1962) وكتاب فريدريش هايك الكلاسيكي “الطريق إلى العبودية” (1944).

– يقدم الكتاب سردًا وحجة متماسكة ويوضح أن الرأسمالية الليبرالية الجديدة – أو “الرأسمالية الجامحة” – تعني تحرير الأسواق المالية للتعجيل بأكبر أزمة مالية في العالم، وتحرير التجارة لتسريع وتيرة تراجع التصنيع، وتحرير الشركات لاستغلال المستهلكين والعمال والبيئة على حد سواء.

– وفي حجة تذكرنا بكارل بولاني، الذي اشتهر بالقول إن الرأسمالية الجامحة تخلق سياسات رجعية، يقول ستيجليتز إن “جرائم” الليبرالية الجديدة أدت إلى تفاقم حالة عدم المساواة، وتقويض الديمقراطية، وأثارت ردود فعل شعبوية عنيفة في جميع أنحاء العالم.

– ولعلاج هذه المشكلة، يدعو إلى الرأسمالية التقدمية، باستخدام تعريف مختلف للحرية، وهو تعريف مرتبط جوهريًا بمفاهيم الإنصاف والعدالة والرفاهية.

– على سبيل المثال، بالنظر إلى انخفاض أجور العمال الأمريكيين في ظل العولمة، فهو يتساءل، بشكل مبالغ فيه إلى حد ما، هل هناك فرق كبير بين الوضع الحالي وما حدث في جنوب أفريقيا، حين أُجبر الناس على العمل في المناجم ومُنعوا من الاشتغال بالزراعة.

– وفي فقرة أخرى، كتب أن الدعوة للعودة إلى الليبرالية تحت مسمى الليبرالية الجديدة كانت “أشبه بكذبة هتلر الكبرى”.

– ربما يكون قراء أعمال ستيجليتز السابقة على دراية بحجته المتعلقة بالرأسمالية التقدمية، إلا أن هذا النص يخوض أكثر في المجال الفلسفي.

– وهذه ليست نقطة قوة ستيجليتز، وهو في أشدّ حالاته تألقًا عندما يفند الخرافات الاقتصادية، مثل الادعاء بأن الاحتكارات سوف تجتذب المنافسة دائما.

– إلا أن حججه الأخلاقية تفتقر لنفس القوة، أحد الأسباب هو أنه يبقى ضمن إطار ما وصفه عالم النفس الاجتماعي جوناثان هايدت بالإطار الأخلاقي للضرر/الرعاية الذي يوجه الليبرالية الأمريكية الحديثة.

– وهذا يجعل من الصعب على ستيجليتز توقع أو فهم أو مواجهة الخلاف مع أفكاره أو معتقداته الأخلاقية، والتي يؤكد ببساطة أنها صحيحة بشكل واضح.

– ولكن إذا كان التفاوت بين الناس أمراً غير أخلاقي بطبيعته، فلماذا يتم التسامح معه في كثير من الأحيان، حتى من قِبَل الفقراء؟

– وفي إطار الشعور الأخلاقي القوي بالعدالة، يمكن تفسير قدر معين من عدم المساواة على أنه نتيجة عادلة للجهود التفاضلية.

– إن الانخراط الجديّ في هذا المنظور سيكون له تأثير كبير وكان التعامل بجدية مع هذا المنظور ليعزز حجة ستيجليتز ضده.

– فهو يشير، على سبيل المثال، إلى صندوق النقد الدولي باعتباره مؤسسة نيوليبرالية مفترسة تنشر الاستغلال في جميع أنحاء العالم، لكنه يبدو غير مدرك لحقيقة أن فريدمان دعا إلى إلغاء تلك المؤسسة والبنك الدولي.

– وعلى نحو مماثل، تصور هايك أن دخول السوق لا تتمتع بمكانة أخلاقية ــ وهي مصادفة مثيرة للاهتمام تستحق الاستكشاف بكل تأكيد، نظراً للاختلاف التام بين استنتاجاته واستنتاجات ستيجليتز.

– في نهاية الكتاب، يصعب التخلص من الشعور بأن ستيجليتز يخوض معارك التسعينيات، حتى وهو يشرح بالتفصيل أوجه الحرمان التي تعاني منها الليبرالية الجديدة، فإنه يوثق تراجعها السريع خلال السنوات الأخيرة.

– وهو يُظهِر القليل من الاعتراف بأن السياسة الاقتصادية التي ينتهجها الحزب الجمهوري، أو اليمين في تجسيده الترامبي، تركت تأسيس السوق وراءها بفارق كبير.

– وإذا انتهى بنا الأمر إلى نظام قائم على الحدود المغلقة والتعريفات الجمركية بنسبة 100%، فقد يجد ستيجليتز نفسه يشعر بالحنين الشديد إلى أزمات الليبرالية الجديدة.

– يشق “الطريق إلى الحرية” طريقًا جديدًا، حيث يُظهر كيف يُعيد علم الاقتصاد – بما في ذلك التطورات الحديثة التي لعب فيها ستيجليتز دورًا مهمًا – صياغة كيفية التفكير في الحرية ودور الدولة في مجتمع القرن الحادي والعشرين.

– بالاستعانة بأعمال فلاسفة معاصرين، يوضح ستيجليتز طريقة أعمق وأكثر إنسانية لتقييم الحريات – طريقة تأخذ بعين الاعتبار ما يجب فعله عندما تتعارض حريّة شخص مع حرية شخص آخر.

– يتعين علينا أن نعيد تصور أنظمتنا الاقتصادية والقانونية الحالية ونحتضن أشكال العمل الجماعي، بما في ذلك التنظيم والاستثمار، إذا أردنا أن نخلق مجتمعًا مبتكرًا يمكن فيه للجميع أن يزدهر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى