كتاب جديد يحذر: للنمو الاقتصادي ثمنه الكبير
– يهدف كتاب دانييل سسكيند الجديد بعنوان “النمو: تاريخه وحساب تكلفته” إلى إقناع العامة بأن السياسة الاقتصادية يجب أن توسع نطاق تركيزها، من مجرد السعي إلى تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي، إلى النظر في تبعات هذا النمو وتكلفته أيضًا.
– يؤكد سسكيند، الأستاذ بكلية كينجز لندن، على تحقيق النمو الاقتصادي لمكاسب غير مسبوقة في تحقيق رفاهية الإنسان وازدهاره في شتى بقاع العالم لأكثر من قرنين من الزمان.
– لذا، تعوّل الحكومات على نمو الناتج المحلي الإجمالي، معتبرة إياه مؤشرا يلخص القوة الاقتصادية المرتبطة بارتفاع الثروات، وانخفاض معدلات الفقر، وتحسين الصحة، وغير ذلك من الفوائد.
– ولكن في الآونة الأخيرة، تمخضت عوامل عدة منها تغيرات المناخ، وعدم المساواة، والانقسامات الاجتماعية، عن إثارة المخاوف بشأن تكلفة النمو.
– لنأخذ زيادة الإنتاج الصناعي على سبيل المثال، وعلى الرغم من آثاره الواضحة في رفع مستوى الرفاهية حول العالم، إلا أن آثاره الجانبية واضحة للعيان.
– وفي العديد من البلدان، رافق النمو ارتفاع مستويات عدم المساواة وتدهور المجتمعات المحلية وحدوث انقسامات اجتماعية وسياسية.
– ومع ما تقدم، صار لزامًا على صنّاع السياسات التصدي لإدارة الاقتصادات بطريقة تسخر منافع النمو مع تقليل تكاليفه.
– ينتمي كتاب سسكيند لمجموعة من المؤلفات التي تدعو إلى توسيع نطاق السياسة الاقتصادية لتتجاوز المنظور الضيق للدخل إلى اعتبارات الرفاهية الاجتماعية الأوسع والتي تأخذ المستقبل بعين الاعتبار أيضًا.
– قد يتجاهل البعض المقايضات بين النمو وآثاره الجانبية غير المرغوبة ــ من خلال إنكار وجودها والاستمرار في العمل كالمعتاد ــ ولكن المناقشة الأكثر صلة بالموضوع هي كيفية إدارة هذه المقايضات.
– يؤكد سسكيند أنه يقع على عاتقنا مواجهة هذه المقايضات وحساب تكلفتها، من خلال تحسينها متى أمكن ذلك، ولكن عندما لا يكون ذلك ممكنا، قبول الحاجة إلى الاختيار بين الأهداف.
– على سبيل المثال، من الممكن أن تسعى السياسات إلى تحفيز التقدم التكنولوجي الصديق للبيئة وتوفير الحوافز لتعزيز النمو الأكثر حفاظًا على البيئة.
– ويشير سسكيند إلى أن الضرائب والإعانات، والقوانين واللوائح، والأعراف الاجتماعية هي من بين الأدوات التي يمكن تسخيرها في هذا المسعى الحميد.
– ولكن عند مرحلة معينة، يتعين على صنّاع السياسات قبول حقيقة أن تلبية الأهداف المناخية وغيرها من الأهداف الاجتماعية قد يتطلب نمواً أبطأ.
– وعندما يصبح من الضروري الاختيار بين الأهداف، يقترح سسكيند ترك هذا الاختيار “لعالم السياسة”.
– يطرح سسكيند حججه في ضوء الخطوات التي ينبغي أن نتخذها، والتي قد تفترض مجموعة مشتركة من المصالح.
– تتمثل إحدى الصعوبات العملية التي تواجه هذه المقترحات في أن تفضيلات الناس بشأن التوازن الصحيح بين النمو والأهداف الأخرى تختلف اختلافًا حادًا بين البلدان بل وحتى داخلها في كلّ من العالم المتقدم والعالم النامي.
– قد يكون من الصعب العثور على وجهة نظر مشتركة بشكل خاص في ظل هذا الاستقطاب، إلا أنها مواضيع مطروحة للنقاش في المستقبل.
– على الرغم من أن محتوى الكتاب لن يكون جديدًا بالنسبة للاقتصاديين الذين هم على دراية عامة بمفهوم المقايضة بين النمو والأهداف الأخرى.
– على سبيل المثال، ضمّن صندوق النقد الدولي تغير المناخ في عمله في الآونة الأخيرة، إلا أنه لطالما اعترف بأن جودة النمو تشكل أهمية كبيرة.
– في عام 1994، حث ميشيل كامديسو، المدير العام آنذاك على الحاجة إلى “نمو عالي الجودة” يكون مستدامًا ويقلل من الفقر وعدم المساواة في التوزيع ويحترم حرية الإنسان والثقافات الوطنية ويحمي البيئة.
– ويشكل تجميع سسكيند لهذه القضايا إضافة مفيدة للمناقشة العامة حول النمو في سياق طويل الأمد، لكي نقدر المستقبل بقدر ما نعتز بالماضي -على حد قوله.