تجربة نمو .. كيف حققت تنزانيا طفرتها وباتت تتمتع بمرونة اقتصادية؟
– ينطوي التحول الاقتصادي في تنزانيا على التفاعل المعقد بين مختلف الظروف الاقتصادية والبيئية التمكينية بما في ذلك استقرار الاقتصاد الكلي، ومناخ الاستثمار المواتي، ومستوى تطوير البنية التحتية، وحالة التنمية البشرية (خاصة في التعليم والصحة) ومستوى القدرة المؤسسية.
– وتستمر المؤشرات الرئيسية لأداء الاقتصاد الكلي في إظهار مرونة ملحوظة ضد الآثار المستمرة للجائحة والحرب في أوكرانيا ولكنها تظل عرضة للانتكاسات وسط تزايد حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي.
– بعد أن تعافى قليلاً إلى 4.9 في المئة في عام 2021، انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في تنزانيا مرة أخرى إلى 4.7 في المئة في عام 2022، وهو أقل من المستوى الذي وصل إليه في ذروة الجائحة، حيث عرقلت الحرب في أوكرانيا الانتعاش الاقتصادي في البلاد.
– من المتوقع أن ينتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.2 في المئة في عام 2023 على خلفية التحسينات المتوقعة في الظروف الاقتصادية العالمية والإصلاحات المحلية لدعم النشاط الاقتصادي والنمو الشامل في إطار ترتيب التسهيلات الائتمانية الممتدة لمدة 40 شهرًا بين الحكومة وصندوق النقد الدولي.
– ومع ذلك، لا يزال هذا المستوى من النمو أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة ومتوسط البلاد على المدى الطويل البالغ 7.0 في المئة و11.0 في المئة على التوالي.
من غير المتوقع أن ينتعش النمو إلى مستويات ما قبل الجائحة حتى حوالي عام 2028.
– والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أنه من المتوقع أن تنخفض إمكانات النمو على المدى الطويل (15 عامًا) في البلاد إلى 5.7 في المئة في المتوسط جزئيًا بسبب انخفاض الإنفاق على التنمية في فترة ما بعد الأزمة الأوكرانية.
– وهذا أقل بكثير من متوسط هدف الحكومة لنمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط البالغ 8 في المئة على النحو المنصوص عليه في خطة التنمية الخمسية الثالثة.
– علاوة على ذلك، وبالنظر إلى معدل النمو السكاني المرتفع باستمرار في البلاد (2.9 في المئة في المتوسط بين عامي 2012 و2022)، فإن النمو المتوقع على المدى الطويل في البلاد لن يكون كافياً لتحقيق خفض كبير في الفقر وتحسين سبل العيش للفئات الأكثر ضعفاً.
– وبالتالي، ازداد عدم المساواة على الرغم من النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي مع ارتفاع معامل جيني (Gini coefficient) -وهو من المقاييس الهامة والأكثر شيوعا في قياس عدالة توزيع الدخل القومي- في البلاد إلى 0.44 في عام 2021 من 0.41 في عام 2018.
كان أداء المقاييس الكلية الأخرى جيدًا، ولكن أصبح من الصعب الحفاظ عليها وسط تزايد حالة عدم اليقين العالمي والمخاطر المناخية.
– على الرغم من التسارع الحاد في التضخم العالمي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بلغ معدل التضخم في تنزانيا ذروته عند 4.9 في المئة فقط في يناير، وتباطأ بسرعة إلى 3.6 في المئة في يونيو 2023.
– ويقارن هذا بشكل إيجابي بمعدلات التضخم في شرق أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والعالم، والتي بلغت في المتوسط 7.0 في المئة و14.5 في المئة و8.5 في المئة على التوالي في عام 2022.
– وفي الوقت نفسه، اتسع عجز الحساب الجاري إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي من 3.4 في المئة على خلفية ارتفاع أسعار الواردات من الغذاء والوقود، ومن المتوقع أن يظل مرتفعاً في عام 2023 قبل أن ينخفض مرة أخرى إلى 3.3 في المئة في عام 2024.
يجب أن يساعد برنامج الحكومة المستمر للتسهيلات الائتمانية الممتدة (ECF) مع صندوق النقد الدولي (IMF) تنزانيا على تحمل التأثير الاقتصادي للحرب في أوكرانيا بشكل أفضل، وإرساء الأساس لنمو اقتصادي أعلى ومستدام وشامل.
وافقت الحكومة على اتفاق بقيمة 1.05 مليار دولار أمريكي في إطار التسهيل الائتماني الممتد لصندوق النقد الدولي في يوليو 2022 مع الأغراض العامة، لاستكمال تنفيذ خطة تنزانيا للاستجابة الاجتماعية والاقتصادية والتعافي من الجائحة.
تم الانتهاء بنجاح من المراجعة نصف السنوية الأولى للبرنامج في أبريل 2023 بعد أن استوفت الحكومة جميع المعايير الكمية والهيكلية المطلوبة على الرغم من البيئة العالمية الصعبة.
يشير التركيز على التنمية الزراعية في ميزانية السنة المالية 2022/23 إلى خروج محتمل عن طموحات التصنيع للخطة الخمسية الثالثة.
– في أبريل 2022، كشفت الرئيسة سامية صولحو حسن عن استراتيجيتها الجديدة للتحول الزراعي – التي يطلق عليها اسم “جدول الأعمال 10/30″، والتي تهدف إلى تسريع وتيرة نمو الناتج في القطاع إلى 10 في المئة بحلول عام 2030.
– وفي قلب هذه الاستراتيجية، هناك توسع كبير مخطط له في كمية العمالة والأراضي المخصصة للقطاع. ومن المتوقع إضافة 3 ملايين عامل إضافي إلى القطاع بحلول عام 2025، ثلثهم من الشباب، ومن المتوقع أن تصل الأراضي المزروعة إلى 20 مليون هكتار بحلول عام 2030.
– بالإضافة إلى تسريع النمو في قطاع الزراعة، تهدف الاستراتيجية الجديدة إلى زيادة قيمة الصادرات الزراعية من 1.2 مليار دولار سنويًا إلى أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2030، بقيادة زيادة الصادرات البستانية من 750 مليون دولار إلى 2 مليار دولار.
– وتخطط الحكومة أيضًا للاستفادة من مكانتها كواحدة من منتجي الأغذية القلائل الفائض في أفريقيا لتوفير 20 في المئة من الطلب على الواردات الغذائية في المنطقة، وخاصة الحبوب مثل الأرز والذرة.
لا يزال انخفاض مستويات رأس المال البشري وتطوير البنية التحتية وديناميكية القطاع الخاص والقوة المؤسسية يشكل عبئًا كبيرًا على التحول الاقتصادي.
– يُعد الوصول المحدود إلى العمالة الماهرة عقبة رئيسية أمام تطوير القطاع الرسمي مع انخفاض التحصيل العلمي ومستويات التعلم الأساسية في تنزانيا لأولئك الذين يتمكنون من الذهاب إلى المدرسة.
– خاصةً وأن وضع التعليم في البلاد صعب للغاية لدرجة أن أحد المعايير الهيكلية في صندوق النقد الدولي مع تنزانيا هو زيادة عدد المعلمين بمقدار 15.000 بحلول يونيو 2023 لتقليل نسبة التلاميذ إلى المعلمين وتحسين جودة التعليم، لا سيما في المناطق الريفية.
أخيرًا، لا يزال الانخفاض المستمر في القدرة المؤسسية وهيمنة الدولة يؤدي إلى تآكل ديناميكية القطاع الخاص الحيوية.
– لا تزال مؤشرات القدرة المؤسسية متخلفة عن مؤشرات البلدان النظيرة، وعلى الأخص، فاعلية الحكومة (مهمة كمقياس لقدرة الحكومة على توفير السلع والخدمات العامة) وسيادة القانون (مقياس مهم لتقييم قدرة المؤسسات العامة على التمسك بالعقود وإنفاذها)، مما يردع الاستثمار الخاص.
– وبالتالي، لا يزال توفير السلع العامة منخفضًا حيث يحصل 40 في المئة فقط من السكان على الكهرباء، والنتيجة هي أن نمو الاستثمار الخاص السنوي قد انخفض بشكل مطرد من 12.3 في المئة في المتوسط في الفترة 2010-2015 إلى 7.5 في المئة في الفترة 2015-2020 و4.5 في المئة فقط في عام 2022.
– ولتحسين الاستثمار الخاص، اعتمدت الحكومة سياسة استثمارية جديدة في عام 2023 تهدف إلى تخفيف الحواجز أمام الاستثمار الخاص بما في ذلك ضمان عودة الاستثمار وإجراءات توظيف العمال الأجانب.