ضريبة الثروة.. حرب باردة تحت قبة البرلمان بين العدالة الاجتماعية وهاجس الاستثمار

عاد ملف فرض ضريبة سنوية على كبار الأثرياء ليحتل صدارة الأجندة البرلمانية، مع اقتراب موعد مناقشة مشروع قانون المالية الجديد.
هذه القضية، التي طالما كانت محط جدل، تستعر اليوم مجددًا لتكشف عن انقسام واضح بين الفرق النيابية، وتضع الحكومة في موقف المتحفظ بين مطرقة العدالة الجبائية وسندان مناخ الاستثمار.
تعتبر الفرق البرلمانية المعارضة أن إشراك أصحاب الثروات الضخمة في تمويل السياسات الاجتماعية ليس مجرد مطلب إصلاحي، بل هو مدخل أساسي لتحقيق الإنصاف والعدالة الجبائية.
ويأتي هذا الحراك في سياق يطبعُه تزايد الحاجة إلى موارد مالية إضافية لدعم وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، في ظل محدودية الموارد العامة للدولة.
تباينت المقترحات المقدمة من هذه الفرق حول آليات التطبيق، إلا أنها اتفقت جميعًا على مبدأ تعزيز مساهمة الأثرياء في خزينة الدولة:
- الحركة الوطنية: تقدمت بمشروع لضريبة سنوية على صافي الثروة، تشمل الأصول المالية والعقارية، وصولًا إلى المقتنيات الثمينة.
- التقدم والاشتراكية: دعت إلى فرض نسبة 1% على الثروات التي تتجاوز سقف خمسين مليون درهم.
- فيدرالية اليسار: طرحت ضريبة ذات طبيعة تصاعدية تبدأ عند مستوى عشرة ملايين درهم.
تجدر الإشارة إلى أن جميع هذه المبادرات استثنت بوضوح المسكن الرئيسي وأدوات النشاط المهني من الوعاء الضريبي المقترح، لتجنب ضرب الطبقة الوسطى أو عرقلة المقاولات.
على الجانب الآخر، تتبنى الحكومة تحفظًا واضحًا إزاء هذه المقترحات، معبرة عن قلقها من تأثيرها السلبي المحتمل على جاذبية المناخ الاستثماري.
كما يشاركها هذا القلق عدد من الخبراء الاقتصاديين الذين يحذرون من سيناريو تحويل رؤوس الأموال إلى أسواق إقليمية ودولية أخرى أكثر تساهلاً ضريبيًا، وهو ما قد يضر بالديناميكية الاقتصادية الوطنية.
في المقابل، يشدد مؤيدو الضريبة على أن الحل يكمن في تصميم مدروس ومحكم للقانون، يضمن عدم الإفراط في التشديد الضريبي، مع توفير موارد مالية جديدة يمكن أن تكون داعمة بقوة للمشاريع والبرامج ذات الطابع الاجتماعي .
يبقى التحدي الفعلي هو إيجاد صيغة متوازنة قادرة على تحقيق هدفين متناقضين ظاهريًا: تعزيز العدالة الاجتماعية المنشودة عبر إشراك الأثرياء، والحفاظ على جاذبية المناخ الاستثماري الضروري لنمو الاقتصاد وتوفير فرص العمل.
هذه المعادلة الصعبة تقتضي حوارًا وطنيًا شاملًا يخرج بنتائج توافقية، تتجاوز الأطر السياسية الضيقة، وتضمن إرساء نظام جبائي عادل وفعال دون التضحية بمستقبل الاستثمار والتنمية في البلاد.




