الاقتصادية

كرة القدم الإنجليزية… مجد يُشترى بالديون

في مشهد يعكس التحوّل العميق في اقتصاد الرياضة، لم تعد البطولات وحدها مقياس النجاح في الدوري الإنجليزي الممتاز، بل باتت القدرة على إدارة الديون وتدبير التمويل إحدى أهم أدوات البقاء في القمة.

ففي ظل ارتفاع تكاليف الانتقالات، ورواتب النجوم، ومشاريع تطوير الملاعب، أصبحت الأندية تعتمد أكثر فأكثر على القروض لتغذية طموحاتها الرياضية.

ومع تضييق الخناق من البنوك التقليدية، بدأت أندية مثل وولفرهامبتون ووندررز ونوتنغهام فورست تتجه نحو مؤسسات مالية غير تقليدية، من بينها PGIM وApollo Global Management، في مؤشر واضح على تحول هيكلي في تمويل كرة القدم الإنجليزية.

بلغ إنفاق أندية الدوري الممتاز خلال سوق الانتقالات الصيفية الأخيرة أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني (نحو 4 مليارات دولار)، في رقم غير مسبوق بتاريخ اللعبة. هذه الشهية المفتوحة للإنفاق، سواء في شراء اللاعبين أو تجديد البنية التحتية، جعلت القروض شرياناً رئيسياً للحفاظ على التنافسية.

ولمواكبة هذه الطفرة، أنشأت رابطة الدوري الإنجليزي شبكة تمويل حصرية تضم كبار البنوك مثل HSBC وباركليز وبانكو سانتاندير، إلى جانب مؤسسات متخصصة مثل كلوز براذرز وألدرمور.

Bold plan to protect long-term future of English football - GOV.UK

كما التحقت مؤسسات أجنبية مثل بانكا سيستيما الإيطالي وماكواري الأسترالي وسيتي بنك الأمريكي بهذه المنظومة المالية المتنامية.

يقول فرانشيسكو فيليا، الرئيس التنفيذي لشركة Fasanara Capital، إن البنوك التقليدية تتحفظ في تمويل الأندية “لأن أي تراجع في الأداء قد يتحول إلى أزمة سمعة”، موضحاً أن “أن يُنظر إلى بنك على أنه سبب إفلاس نادٍ جماهيري يعد مخاطرة لا يرغب أحد في تحملها”.

هذا التردد فتح الباب أمام شركات الإقراض الخاص مثل Apollo وBlackstone، التي وجدت في كرة القدم مجالاً جديداً للاستثمار. هذه الشركات لا تكتفي بإقراض الأندية، بل تدخل في تمويل صفقات انتقال اللاعبين، وتستخدم عائدات البث ومبيعات التذاكر كضمانات مالية.

بعكس الدوريات الأمريكية المغلقة، يقوم النظام الإنجليزي على الصعود والهبوط السنوي، ما يجعل كل موسم معركة وجود. فهبوط نادٍ واحد إلى الدرجة الأدنى يعني انخفاضاً حاداً في الإيرادات، الأمر الذي يجعل المقرضين أكثر حذراً ويطالبون بضمانات ملموسة قبل منح التمويل.

وتنص لوائح الدوري الممتاز على حظر رهن عائدات البث التلفزيوني لصالح جهات غير مالية، في حين تمنح البنوك المعتمدة حق تحصيل هذه الإيرادات مباشرة، وهو ما يمنحها أفضلية كبيرة في الحد من المخاطر.

في عام 2024، حصل بنك IBB الألماني وبانكا سيستيما الإيطالي على اعتماد رسمي من رابطة الدوري، ليدخلا ساحة المنافسة إلى جانب عمالقة التمويل الأوروبي. وأكد غابرييلي غريزا، رئيس وحدة الترفيه في “بانكا سيستيما”، أن البنك يخطط لتوسيع نشاطه في القطاع الرياضي “مع تزايد شهية المستثمرين لتمويل كرة القدم”.

أما على الجانب الأمريكي، فلا يزال جيه بي مورغان تشيس من أبرز الممولين غير الرسميين للأندية الكبرى مثل تشيلسي وإيفرتون، في إشارة إلى أن التمويل الكروي بات مجالاً مفتوحاً للجميع.

تحولت كرة القدم الإنجليزية إلى ساحة مالية معقدة، حيث تتقاطع الطموحات الرياضية مع أدوات الاستثمار والمخاطرة. وبينما تحاول الأندية الحفاظ على موقعها في القمة، فإنها تغرق أكثر في الديون التي قد تتحول يوماً إلى عبء يهدد استقرارها المالي.

في النهاية، يبدو أن المجد الكروي في إنجلترا لم يعد يُصنع بالمهارة وحدها، بل بالقدرة على إدارة المال — وبتحمّل ديون قد تفتح الطريق نحو اللقب اليوم، لكنها قد تسلب الأندية بريقها غداً.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى