صفر في المجموع: حين لا يخلق الصراع ثروةً.. بل ينقلها فقط

في عالمنا اليوم، حيث تتشابك القرارات الاقتصادية والاجتماعية مع حياتنا اليومية، كثيراً ما نعتقد أن المكاسب تتحقق بسهولة، لكنها غالباً تأتي بثمن.
في بعض الحالات، يكسب طرف ما على حساب طرف آخر، دون أن يزداد حجم الثروة الإجمالي، بل يُعاد فقط توزيعها. هذا المفهوم يعرف في الاقتصاد بـاللعبة الصفرية.
من التداول في البورصات إلى العقود المستقبلية والخيارات، تكشف الوقائع أن كل ربح لطرف ما غالباً ما يقابله خسارة مماثلة للآخر. ومع ذلك، الحياة والأسواق لا تنحصر في هذا الإطار الضيق؛ فالعديد من الصفقات تولد قيمة إضافية للطرفين، وهو ما يُعرف بـالألعاب ذات المكاسب الإيجابية، حيث يمكن للجميع الخروج رابحين.
اللعبة الصفرية هي أي تفاعل، اقتصادي أو اجتماعي، يربح فيه طرف ما مقابل خسارة طرف آخر بنفس المقدار، بحيث يبقى التغير الإجمالي في القيمة صفرًا. هذا المفهوم يشكل حجر الأساس في نظرية الألعاب، التي تدرس كيف يتخذ الأفراد قرارات عقلانية ضمن إطار تنافسي.

أشهر الأمثلة: الشطرنج، حيث فوز لاعب واحد يعني بالضرورة هزيمة الآخر، ما يجعلها نموذجًا مثاليًا للعبة صفرية.
في الأسواق المالية، تعتبر معاملات مثل تداول العقود المستقبلية والخيارات ألعابًا صفرية، إذ كل عقد يمثل اتفاقًا بين طرفين؛ إذا حقق أحدهما ربحًا، يخسر الآخر نفس المبلغ بالضبط، دون أي زيادة صافية في الثروة.
أمثلة على الألعاب الصفرية
-
الشطرنج والتنس: دائمًا هناك فائز وخاسر.
-
المشتقات المالية: كل مكسب لطرف ما يُقابله فقدان مماثل للآخر.
على النقيض من الألعاب الصفرية، هناك مواقف يربح فيها الجميع، مثل اتفاقيات التجارة التي تعزز التبادل التجاري بين دولتين أو المشاريع المشتركة التي تولد قيمة إضافية للطرفين.
وهناك أيضًا حالات الخسارة للجميع، مثل فشل المفاوضات الدبلوماسية دون تحقيق أي نتائج. غالبية المعاملات الاقتصادية اليومية ليست صفرية، إذ غالبًا ما تولد قيمة مضافة للطرفين، وهو ما يجعلها ألعابًا ذات مكاسب إيجابية.
أسس جون فون نيومان وأوسكار مورجنسترن نظرية الألعاب عام 1944 لدراسة اتخاذ القرار بين أطراف عقلانية، مع توقع النتائج بناءً على المكاسب والخسائر والسلوكيات المثلى.
من أبرز مفاهيم هذه النظرية توازن ناش، الذي يوضح أن اللاعبين لن يغيروا استراتيجياتهم إذا كانوا على دراية باختيارات الطرف الآخر، إذ لا يوجد أي فائدة إضافية من تعديل قراراتهم.
تطبيقات عملية في الأسواق
-
تداول الأسهم طويل الأجل: غالبًا ما يكون ذا مكاسب إيجابية، لأنه يعزز الإنتاج ويوفر وظائف ويزيد المدخرات.
-
تداول الخيارات والعقود المستقبلية: أقرب إلى نموذج اللعبة الصفرية، حيث يمثل ربح طرف خسارة للطرف الآخر، أي تحويل للثروة دون زيادة صافية فيها.
لا تقتصر الألعاب الصفرية على الأسواق المالية؛ فهي تظهر أيضًا في حياتنا اليومية، مثل:
-
نزاع شخصين على سيارة أجرة.
-
صراع المتشاركين على مساحة محدودة في الثلاجة أو أي مورد محدود.
في العلاقات الشخصية، يشير هذا المفهوم إلى أن فوز طرف غالبًا ما يعني خسارة الطرف الآخر، ما قد يولد توترًا وصراعًا
الاسم يشير إلى أن مجموع المكاسب والخسائر يساوي صفرًا. على سبيل المثال، إذا ربح شخص 3 وحدات وخسر شخصان 1 و2 على التوالي، فإن صافي التغير = 0.
في المقابل، معظم التبادلات الاقتصادية والاجتماعية ليست صفرية، إذ يمكن للطرفين الاستفادة معًا، سواء من خلال شراء وبيع سلعة أو تقديم خدمة تولد قيمة إضافية للطرفين.
الفرق الأساسي بين الألعاب الصفرية والألعاب ذات المكاسب الإيجابية يكمن في إمكانية توليد قيمة جديدة. فهم هذا المفهوم يساعدنا على التمييز بين المعاملات التي تحول الثروة فقط وتلك التي تخلق فرصًا حقيقية للربح للطرفين، سواء في الأسواق المالية أو الحياة اليومية.




