اقتصاد المغربالأخبار

بين الطموح الرقمي والواقع النقدي.. 63% من معاملات المغاربة لا تزال نقدية

على الرغم من الطفرة التكنولوجية الهائلة والاستعدادات اللوجستية لاستضافة أحداث عالمية كبرى مثل كأس العالم 2030 وكأس أفريقيا 2025، ما زال المغرب يواجه تحدياً اقتصادياً واجتماعياً عميقاً يتمثل في “فجوة القبول” للدفع الرقمي.

هذا التحدي يعيق طموح المملكة في التحول الرقمي الكامل، حيث يشكل النقد “الكاش” الوسيلة الأكثر حضوراً وهيمنة في المعاملات اليومية للمغاربة.

وتكشف الأرقام بوضوح مدى تجذر هذه الظاهرة؛ فوفقاً لدراسة حديثة أجرتها شركة “فيزا المغرب”، ما زال “الكاش” يستحوذ على نحو 63% من إجمالي المعاملات في البلاد.

هذه الهيمنة تُترجم أيضاً في بيانات “بنك المغرب” ، حيث قُدّر حجم النقد المتداول بنهاية غشت بـ 467 مليار درهم (51 مليار دولار)، محققاً زيادة سنوية بلغت 9.6%.

اللافت في الأمر أن هذا الرقم يمثل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يضع المملكة في مصاف الدول الرائدة عالمياً من حيث الاعتماد على المعاملات النقدية الورقية.

لمواجهة هذا التوسع المستمر في تداول النقد، يجري بنك المغرب دراسة شاملة بالتشاور مع مختلف الأطراف المعنية للبحث عن حلول عملية وفعالة.

ورغم ذلك، أقرّ والي البنك، عبد اللطيف الجواهري، في تصريحات سابقة بأنه “لا توجد حلول سحرية لمعالجة الظاهرة من المنبع”، مشيراً إلى أن تركيز البنك ينصب حالياً على “التعامل مع النقود بعد خروجها من النظام المصرفي ومحاولة إعادتها إلى القنوات البنكية”.

أما على مستوى التجار، فتعكس الدراسة أن الأسباب وراء العزوف عن الدفع الرقمي متعددة ومتداخلة، حيث يعتبر 42% منهم أن كلفة خدمات وأجهزة الدفع الإلكتروني هي العائق الأكبر، وتليها مباشرةً العادات الراسخة في التعامل بالنقد بنسبة 38%، ثم تأتي تكاليف التركيب والصيانة في المرتبة الثالثة بـ 25%.

وفي تناقض مثير، يُقرّ 71% من التجار بأن التعامل بالنقد يحمل مخاطر أكبر، مثل التعرض للسرقة أو النزاعات، مقارنةً بسلامة وأمان الدفع الرقمي.

من جهته، يدعو سامي رمضان، المدير العام لشركة “فيزا المغرب”، إلى تغيير هذه النظرة، مؤكداً أن “اعتماد الدفع الرقمي ليس تكلفة إضافية، بل استثماراً في نمو الإيرادات”، لما يوفره من آفاق لجذب عملاء جدد وتحسين التدبير المالي للشركات.

ويرى أن التحول الرقمي في المدفوعات أصبح أمراً واقعاً، وأن التحدي الحقيقي الآن هو توسيع شبكة القبول وتعزيز الثقة لدى كل من التجار والعملاء. ولتسريع وتيرة هذا التحول، يقترح رمضان تعميم حلول مبتكرة مثل “Tap-to-Phone”، التي تتيح تحويل الهواتف الذكية إلى أجهزة قبول للدفع دون الحاجة إلى تجهيزات إضافية، مشدداً على أهمية تقديم حوافز مالية أو ضريبية للتجار، خاصة في المناطق ذات الكثافة التجارية والسياحية، لتشجيعهم على الانخراط في هذه المنظومة.

كما يتطلب تسريع تبني المدفوعات الرقمية بناء شراكات استراتيجية بين البنوك وشركات التكنولوجيا ومزودي خدمات الدفع، ورفع الوعي لدى التجار بمزايا الدفع الرقمي من حيث الأمان والسرعة وتتبع المعاملات.

إن النجاح في توسيع قاعدة استخدام الدفع الرقمي سيحمل فوائد اقتصادية هائلة تتجاوز مجرد تسهيل المعاملات؛ حيث تشير معطيات للبنك الدولي، أوردتها دراسة “فيزا”، إلى أن تسريع الانتقال إلى منظومة دفع رقمية شاملة قد يرفع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة تتراوح بين 3% و 5% خلال 5 إلى 10 سنوات.

والأهم من ذلك، يمكن أن يساهم هذا التحول في تقليص حجم الاقتصاد غير الرسمي بنسبة 11% إلى 13% إذا زاد اعتماد الدفع الرقمي بـ 5% سنوياً.

وإعطاء مثال ملموس على التأثير، تقدر دراسة سابقة لـ “فيزا” أن مدينة الدار البيضاء وحدها، المصنفة ضمن المدن “النقدية”، يمكن أن تحقق فوائد مباشرة بنحو 933.8 مليون دولار سنوياً إذا نجحت في تخفيف مستوى استخدام النقد.

كما أن هذا التحول يمكن أن يتيح خلق 11500 وظيفة جديدة وتحقيق نمو اقتصادي إضافي بفضل تحسن الإنتاجية والأجور.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى