الاقتصادية

الدعم الأميركي يعيد الثقة للاقتصاد الأرجنتيني ويكبح دوامة الديون والعملات

رغم أن المساندة الأميركية للأرجنتين تحمل بعداً جيوسياسياً واضحاً، فإنها في الوقت نفسه تستند إلى أسس اقتصادية واقعية، تعكس فهماً عميقاً لتوازنات الديون وسوق الصرف في البلاد.

فالدعم الخارجي، في لحظة حساسة كتلك التي تمر بها بوينس آيرس، يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في إعادة التوازن إلى اقتصاد هشّ تحكمه التوقعات أكثر من الحقائق الموضوعية.

ففي الاقتصادات المعقدة مثل الأرجنتين، يمكن للعوامل نفسها أن تفرز نتائج متناقضة: توازنًا جيدًا يدعم الاستقرار، أو توازنًا سيئًا يقود إلى أزمة.

حين تراجعت ثقة الأسواق بعد خسارة الحكومة في انتخابات مقاطعة بوينس آيرس، بدأت بوادر الانهيار المالي تلوح في الأفق. غير أن المساعدات الأميركية جاءت لتكبح هذا المسار، وتعيد شيئاً من التفاؤل إلى الأوساط المالية.

هذا التحرك من واشنطن لا يمكن قراءته كمجرد ضخ أموال في اقتصاد متعثر، بل كوسيلة لتغيير المزاج العام للأسواق ودفع آليات التفاعل الاقتصادي نحو توازن إيجابي.

فوزارة الخزانة الأميركية تدرك أن معالجة أزمة الأرجنتين ليست في الأرقام فحسب، بل في استعادة الثقة التي تحدد مآلات العملة والديون.

التحولات الأخيرة أظهرت مدى هشاشة الوضع: فقد أدى تراجع الائتلاف الحاكم في انتخابات سبتمبر إلى اهتزاز ثقة المستثمرين، ما تسبب في انخفاض حاد لأسعار السندات السيادية وتراجع قيمة البيزو. لكن الأساسيات الاقتصادية لم تتغير بالسرعة نفسها.

فصندوق النقد الدولي، في مراجعته الأخيرة، أكد أن الدين الأرجنتيني ما زال ضمن نطاق الاستدامة، متوقعاً تراجعه من 85% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 55% بحلول عام 2030.

إلا أن الخطر الحقيقي كان يكمن في تبدل التوقعات. إذ بدأ المستثمرون يشكّكون في قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها وخدمة ديونها، ما خلق حلقة مفرغة من الهلع والبيع الجماعي في الأسواق.

تدخل واشنطن كسر تلك الدائرة السلبية، وأعاد الأمل في إمكانية استقرار الأوضاع المالية، خصوصاً في سوق الديون.

ورغم أن المخاطر لم تختفِ تماماً، فإن الدعم الأميركي ساعد في تقليص احتمالات الانزلاق نحو أزمة جديدة. فالدين السيادي يمكن أن يبقى قابلاً للاستمرار إذا واصلت الحكومة الأرجنتينية تنفيذ سياسة مالية صارمة تحقق فائضاً أولياً مستقراً.

أما على صعيد العملة، فالمعادلة أكثر تعقيداً. إذ تحتاج الأرجنتين إلى مرونة أكبر في سعر الصرف لتحسين قدرتها التنافسية، وتعزيز ميزانها التجاري، وزيادة احتياطياتها من النقد الأجنبي. ومن المرجح أن تتجه السلطات نحو سياسة صرف أكثر تحرراً بعد انتخابات أكتوبر، بما يتيح استقراراً تدريجياً دون صدمات كبيرة.

في المجمل، يعكس الموقف الأميركي من الأرجنتين مقاربة مزدوجة تجمع بين الحذر الاقتصادي والحسابات السياسية. ومع أن الطريق لا يزال طويلاً أمام بوينس آيرس لاستعادة ثقة الأسواق بشكل دائم، فإن الدعم الأميركي يمثل نقطة تحول يمكن أن تضع الاقتصاد الأرجنتيني على مسار أكثر توازناً واستقراراً.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى