الأمن الاقتصادي للمغرب..رهين بتمكين الشباب لا بقمعهم

شهدت المدن المغربية الكبرى، مساء السبت، تحركات شبابية غير مسبوقة قادتها شريحة “جيل Z”، حيث رفع المحتجون شعارات تطالب بإصلاح التعليم والصحة ومكافحة الفساد وضمان الحق في العيش الكريم.
هذه الموجة، التي عكست قلقاً اجتماعياً عميقاً وتحولاً في أساليب التعبير عن المطالب، اصطدمت برد أمني مكثف أسفر عن اعتقالات واسعة في مدن كالرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش ، لتتحول من مجرد احتجاجات شبابية إلى نقاش وطني حول جدوى المقاربة الأمنية وحدودها.
غير أن هذه الأحداث لا يمكن قراءتها بمعزل عن أبعادها الاقتصادية والاجتماعية. فالشباب الذين يقودون هذه التحركات يمثلون أكبر رصيد بشري للمغرب، لكنهم أيضاً الأكثر تعرضاً للإحباط والبطالة وتراجع فرص الاندماج.
عندما يجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة القمع بدل الحوار، تتحول طاقتهم الإيجابية إلى خيبة أمل قد تدفعهم إلى الانعزال أو الهجرة، وهو ما يعني نزيفاً مستمراً للرأسمال البشري الذي استثمرت الدولة سنوات طويلة في تكوينه.
هجرة الأدمغة لم تعد مجرد ظاهرة فردية، بل باتت عنواناً لخسارة وطنية مزدوجة: خسارة الموارد التي صُرفت على التعليم والتكوين، وخسارة الطاقات التي كان يمكن أن تساهم في الابتكار وبناء اقتصاد تنافسي.
فالشباب المغربي، المتشبع بقيم الانفتاح والاتصال بالعالم، حين لا يجد في وطنه بيئة تحترم طموحاته وتستجيب لمطالبه المشروعة، يختار الرحيل نحو فضاءات توفر له ما افتقده داخلياً من عدالة وفرص وتقدير.
إن انعكاسات هذه الاحتجاجات تتجاوز البعد الأمني لتضرب في عمق الاقتصاد الوطني. فالمستثمرون المحليون والدوليون يراقبون المشهد عن قرب، والاستقرار الاجتماعي هو شرط أساسي لاستمرار تدفق الاستثمارات وخلق فرص العمل.
كل توتر في الشارع يترجم إلى صورة سلبية عن المناخ العام، ويدفع الشركات إلى التردد في ضخ الأموال أو تأجيل مشاريعها، مما يعمق أزمة البطالة ويضعف النمو الاقتصادي.
أمام هذا الواقع، تبدو المقاربة الأمنية قصيرة الأمد، إذ قد تخمد أصوات الاحتجاج مؤقتاً لكنها لا تزيل أسبابها العميقة.
الحل يكمن في الاستثمار الجاد في الشباب باعتباره ثروة استراتيجية، وذلك عبر إصلاح منظومة التعليم بشكل يواكب التحولات العالمية، وتحسين جودة الخدمات الاجتماعية، ومحاربة الفساد الذي يستنزف الموارد ويقوض العدالة، إلى جانب خلق بيئة مشجعة على ريادة الأعمال والابتكار.
لقد وجه “جيل Z” رسالة واضحة: المغرب يقف عند مفترق طرق لا يحتمل التأجيل.
فإما أن تُقرأ هذه المطالب كإنذار يستوجب الحوار والإصغاء ووضع سياسات جريئة لإعادة الثقة بين الدولة وشبابها، أو أن تستمر الهوة في الاتساع بما يحمله ذلك من مخاطر اقتصادية واجتماعية على مستقبل البلاد.
إن الاستثمار في الشباب لم يعد مجرد مطلب اجتماعي، بل ضرورة وطنية لبقاء المغرب قادراً على المنافسة في عالم يتغير بسرعة، وشرطاً أساسياً لتحقيق الاستقرار الحقيقي الذي يحمي الدولة والمجتمع معاً.