مراكز النداء بالمغرب: وهم التنمية وبؤس الواقع.. دراسة تكشف وجهًا مظلمًا لـ”اقتصاد المنفعة”

في سنوات خلت، كانت مراكز النداء تُقدَّم كحل سحري لأزمة البطالة في المغرب، وكنموذج اقتصادي واعد يجمع بين حاجة الدولة لامتصاص فائض خريجي الجامعات وحاجة القطاع الخاص لأيدٍ عاملة متعلمة وبتكلفة منخفضة.
لكن دراسة ميدانية حديثة، أجراها “معهد بروميثيوس من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” و”المجلس المدني لمناهضة جميع أشكال التمييز”، كشفت الوجه الآخر لهذا القطاع: وجه مليء بالهشاشة والاستغلال واليأس.
أكدت الدراسة، التي نُشرت تحت عنوان “بحث ميداني عن مراكز النداء بالمغرب: مواطن الضعف والهشاشة النيوكولونيالية وأشكال جديدة للعمل النقابي”، أن مراكز النداء لم تعد أكثر من “محطة انتظار محبطة” للشباب الجامعي الذين لم يجدوا وظائف تليق بشهاداتهم.
فبدلاً من أن تكون قاطرة للتنمية، تحولت إلى حل مؤقت يكشف عن المأزق البنيوي لغياب فرص عمل حقيقية في المدن الكبرى.
وأظهرت شهادات العاملين أن هذا العمل لا يناسب إلا الشباب العزاب الذين لا يتحملون مسؤوليات عائلية، فهو عمل مؤقت لا يوفر أي استقرار على المدى الطويل.
تطرقت الدراسة إلى بيئة العمل القاسية داخل هذه المراكز، حيث يعاني الموظفون من ضغوط هائلة وساعات عمل غير منتظمة تمتد حتى ساعات متأخرة من الليل.
وتفرض عليهم رقابة مشددة، لا تقتصر على مراقبة الأداء بل تمتد إلى أدق تفاصيل حركاتهم حتى خلال فترات الاستراحة. هذا الضغط النفسي المتواصل، إلى جانب الأهداف غير الواقعية والتفاعلات المتوترة مع الزبائن، يولد بيئة عمل سامة.
وكشفت الدراسة عن ظاهرة مقلقة: ازدياد استهلاك المخدرات، خاصة الحشيش، في صفوف المشتغلين، كوسيلة للتعامل مع الإرهاق والضغط النفسي. هذه الظاهرة تترافق مع تزايد كبير في الشهادات الطبية بسبب الإرهاق المهني “الاحتراق الوظيفي”.
لا يقتصر الأمر على ظروف العمل القاسية، بل يمتد إلى غياب أي حماية للموظفين. فالقطاع يعاني من غياب شبه كامل للعمل النقابي، حيث تُحاصر كل محاولات تأسيس النقابات بشكل ممنهج عبر الترهيب والفصل التعسفي.
كما لاحظت الدراسة أن العاملين يُجبرون على “محو هويتهم” ولهجتهم المغربية واعتماد لهجة محايدة، مما يفقدهم جزءاً من هويتهم الثقافية. هذه الممارسات، التي وصفتها الدراسة بـ”النيوكولونيالية”، تُحوّل الموظفين إلى مجرد آلات لخدمة الشركات الأوروبية، مع تراجع كبير في الأجور.
ففي حين كانت الرواتب تتراوح بين 4000 و7000 درهم في بداية الألفية، لا يتجاوز الأجر اليوم 3800 درهم، مما يجعل هذا القطاع لا يغري حتى من يبحث عن مجرد دخل لائق.
باختصار، يقدّم القطاع صورة مغايرة تماماً لما كان يُروّج له. فبدلاً من أن يكون حلاً للبطالة، يبدو أنه أصبح مصدراً جديداً لليأس والاستغلال، وساحة لمعركة يومية على البقاء دون أي أفق للنمو المهني أو الاستقرار الشخصي.