قرار الصين بالتخلي عن امتيازات الدولة النامية…زلزال يضرب النظام التجاري العالمي

في خطوة مفاجئة هزت أركان النظام التجاري العالمي، أعلن رئيس الوزراء الصيني في الأمم المتحدة أن بلاده ستتخلى عن امتيازات الدول النامية في منظمة التجارة العالمية.
هذا القرار، الذي قد يبدو بسيطًا، يحمل في طياته دلالات عميقة وتداعيات محتملة على مسار التجارة العالمية وميزان القوى الاقتصادي.
و منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، استغلت الصين تصنيفها كـ”دولة نامية” بذكاء. ورغم أن هذا التصنيف منحها فترات أطول لتطبيق التزاماتها الجمركية، إلا أن بكين بادرت إلى تخفيضات جمركية تجاوزت المطلوب، مما أكسبها سمعة شريك تجاري موثوق.
وبفضل سياستها الإصلاحية التي بدأت في 1978، تحولت الصين من اقتصاد مغلق إلى عملاق تجاري، لتصبح المحرك الرئيسي للنمو العالمي.
لكن مع وصول ناتجها المحلي الإجمالي إلى أكثر من 18 تريليون دولار، بدأت الأصوات تتعالى، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا، متسائلة عن عدالة استمرار الصين في التمتع بامتيازات الدول النامية.
واجهت الصين ضغوطًا مستمرة من الغرب، الذي اعتبر امتيازاتها غير مبررة وتخلق منافسة غير عادلة. هذا الأمر دفع واشنطن إلى فرض رسوم جمركية، مستخدمة وضع الصين كذريعة.
من جهتها، سعت الصين إلى تحقيق التوازن في موقفها. ورغم إعلانها التخلي عن الامتيازات، أكدت أن القرار لا يغير من وضعها الأساسي كدولة نامية وعضو في مجموعة “الجنوب العالمي”. هذا الموقف المزدوج يعكس محاولة بكين لكسب ثقة القوى الغربية دون خسارة نفوذها الدبلوماسي بين الدول النامية.
استقبلت واشنطن وبروكسل القرار بترحيب، معتبرتين إياه خطوة أولى نحو إصلاح حقيقي لمنظمة التجارة العالمية.
في المقابل، عبرت بعض الدول النامية عن قلقها من أن يؤدي تخلي الصين عن امتيازاتها إلى إضعاف موقفها التفاوضي الجماعي، خاصة في قضايا حساسة مثل الزراعة والدعم الحكومي.
|
دوافع الصين للحفاظ على وضعها كدولة نامية |
||
|
الدافع / المحور |
|
التفسير الاقتصادي |
|
الدخل الفردي |
|
بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد في 2024 نحو 95.75 ألف يوان، أي ما يعادل تقريبًا 13.5 ألف دولار، وتقول الصين إن الدخل الفردي، عند توزيعه على 1.4 مليار نسمة، يعتبر منخفضًا مقارنة بالدول المتقدمة.
|
|
الفجوة الريفية-الحضرية |
|
في 2023، بلغ متوسط الدخل المتاح للفرد في الأسر الريفية 21.7 ألف يوان، أي نحو 40% من دخل الأسر الحضرية، ما يعكس أن مئات الملايين من الصينيين لا يزالون يعيشون في ظروف مماثلة للدول النامية.
|
|
تصنيف المنظمات الدولية |
|
يصنف البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي الصين كدولة ذات دخل متوسط مرتفع، بينما يصفها صندوق النقد الدولي بأنها “اقتصاد ناشئ ونامٍ”، وهو ما يجعلها في مستوى يختلف عن الدول الغنية التي تتحمل مسؤوليات دولية أكبر.
|
|
السكان تحت خط الفقر |
|
رغم نمو الاقتصاد الكلي، أظهرت البيانات أن 600 مليون صيني يعيشون على أقل من ألف يوان شهريًا، أي نحو 143 دولارًا، في عام 2020.
|
|
حداثة التنمية |
|
تؤكد الصين أن نجاحها الاقتصادي الحديث هش نسبيًا، حيث بدأت الإصلاحات الكبرى في الثمانينيات فقط، ما يجعل مسارها التنموي مختلفًا عن الدول المتقدمة التقليدية. |
إن تطبيق هذا القرار لن يكون سهلًا، حيث يتطلب التفاوض مع الأعضاء الآخرين وإعادة صياغة الاتفاقيات التجارية.
هذه العملية قد تفتح الباب أمام نقاشات أوسع حول تعريف “الدولة النامية” ومعايير استحقاق الامتيازات، مما قد يؤدي إلى اعتماد معايير موضوعية مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي أو حصة الدولة من التجارة العالمية.
تترتب على هذه الخطوة تداعيات اقتصادية وسياسية هائلة. اقتصاديًا، قد تزيد من انفتاح الأسواق الصينية وتجذب استثمارات جديدة، لكنها قد تفرض التزامات إضافية على قطاعات حساسة مثل الزراعة.
سياسيًا، هناك خطر أن يُنظر إلى الصين على أنها تتخلى عن حلفائها من الدول النامية، مما قد يضعف نفوذها في الجنوب العالمي إذا لم تقم بدعم الدول الفقيرة بسياسات موازية.
في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيشكل قرار الصين نقطة تحول نحو نظام تجاري دولي أكثر عدالة، أم أنه مجرد خطوة رمزية ستفشل في تحقيق إصلاحات جوهرية؟ الإجابة ستتوقف على قدرة منظمة التجارة العالمية على استغلال هذه اللحظة التاريخية لإعادة صياغة نفسها.




