تأثير المشاعر على أسواق المال: هل الخوف أقوى من الأرقام؟

في عالم المال، لا تكفي الأرقام وحدها لتفسير تقلبات الأسواق. فحتى إشاعة بسيطة أو تغريدة غامضة يمكن أن تُشعل موجة بيع واسعة وتحوّل مؤشرات الأسواق إلى اللون الأحمر في دقائق، قبل أن تظهر أي تأثيرات اقتصادية فعلية.
تتفاعل الأسواق عادة مع بيانات اقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي، التضخم، أرباح الشركات، وسياسات البنوك المركزية، لكن هناك عاملًا آخر يملك القدرة على التحكم بالمشهد: الخوف البشري.
المستثمرون غالبًا ما يستجيبون للذعر الجماعي أسرع من استجابتهم للأرقام الرسمية. لذلك، قد يؤدي شعور عام بالقلق إلى موجة بيع سريعة، في حين يستغرق استيعاب البيانات الاقتصادية الرسمية أيامًا أو أسابيع.
خلال جائحة كوفيد-19، سبقت موجة البيع الهائلة صدور بيانات الانكماش الاقتصادي، ما يوضح أن المشاعر كانت المحرك الرئيسي. وتكرر المشهد مع الأخبار السياسية المفاجئة أو التوترات الجيوسياسية، حيث أثرت المخاوف على الأسواق أكثر من أي بيانات فعلية.
علماء السلوك المالي يربطون هذه الظاهرة بـ”التحيزات العاطفية”، مثل ميل المستثمرين لتجنب الخسارة أكثر من السعي وراء المكسب. هذا يجعل ردود الفعل على الأخبار السلبية أكثر قوة وتأثيرًا، مما يعزز دور الخوف كمحرك رئيسي للأسواق.
عندما يرتفع القلق، يقفز مؤشر “الخوف”، ويبدأ المستثمرون في طلب عوائد أعلى مقابل المخاطر، وترتفع تكلفة التأمين على الاستثمارات، وتنخفض السيولة، فتندلع موجات بيع متتالية. حتى البنوك المركزية تؤكد أن الخوف يرفع تكلفة التمويل ويحدّ من الاستثمار أسرع مما يمكن أن تفعله البيانات الاقتصادية السلبية.
أحداث مارس 2020 نموذج واضح، إذ انهارت الأسواق في أيام معدودة بسبب الذعر، رغم أن البيانات الرسمية لم تعكس بعد حجم الانكماش الاقتصادي الفعلي. وفي أغسطس 2024، أظهرت تحليلات السوق الأمريكية أن اتساع فروق الأسعار وتراجع السيولة كانا نتيجة مباشرة للخوف، لا لتدهور اقتصادي ملموس.
يحدث ذلك في أوقات عدم اليقين أو عند ظهور أحداث غير مسبوقة، أو حين يكون هيكل السوق هشًا والسيولة محدودة. في مثل هذه الظروف، حتى الأخبار الاقتصادية الغامضة أو المتناقضة تُضخم ردود الفعل العاطفية، مما يؤدي إلى تقلبات حادة.
الأخبار الاقتصادية لا يمكن تجاهلها، فهي تعكس واقع الأرباح والتدفقات النقدية وأسعار الفائدة، ولها أثر طويل الأمد على العوائد. ومع ذلك، في الأزمات أو غياب وضوح البيانات، يصبح الخوف المحرك الأقوى مؤقتًا، قبل أن تعود الأساسيات الاقتصادية للتحكم بالحركة بمجرد توفر معلومات واضحة.
استراتيجيات التكيف مع الخوف
-
للمستثمرين: التنويع وحده لا يكفي، بل يجب تبني تحوطات ذكية عبر أصول منخفضة الارتباط، مع الحفاظ على هوامش سيولة مناسبة.
-
للبنوك المركزية: تقليل حالة الغموض من خلال تواصل شفاف، وضخ السيولة عند الحاجة لكبح موجات الذعر، كما يحدث في تدخلات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
في النهاية، الأسواق ليست مجرد أرقام، بل مزيج من التحليل العقلاني والمشاعر البشرية. تجاهل أحد الجانبين قد يؤدي إلى صدمات مفاجئة أو قرارات قصيرة الأجل ذات عواقب وخيمة.
المفتاح يكمن في الموازنة بين فهم الأساسيات الاقتصادية والسيطرة على ردود الفعل العاطفية، مع إدراك دائم أن الخوف قادر على قلب المشهد في أي لحظة.