اليابان في طليعة التثقيف المالي…استراتيجية متكاملة لتنشئة جيل واعٍ مالياً

تشير دراسات عالمية إلى تراجع مستوى الثقافة المالية بين الأفراد، حتى في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، ما يثير قلقًا واسعًا بشأن قدرة الأسر على إدارة أصولها واتخاذ قرارات مالية سليمة.
وفي مواجهة هذا التحدي، تبنت اليابان نهجًا استباقيًا بإدراج التثقيف المالي ضمن المناهج الدراسية، بالتوازي مع ارتفاع الاعتماد على المدفوعات غير النقدية.
شهدت اليابان منذ عام 2019 زيادة كبيرة في استخدام المدفوعات الرقمية، حيث ارتفعت النسبة من التداول غير النقدي لتصل إلى 42.8% بحلول عام 2024، مع تسجيل حجم معاملات يصل إلى 141 تريليون ين، محققًا هدف وزارة الاقتصاد قبل موعده المحدد.
ومع تزايد هذه المعاملات، ظهرت مبادرات مبتكرة مثل خدمة بطاقات الخصم للأطفال والشباب من سن 6 إلى 17 عامًا عبر تطبيق “ريفولت”، وما تبعها بطاقات “سوني بنك” للأطفال بعمر 12 عامًا فما فوق، جميعها مرتبطة بالحسابات البنكية للوالدين وتتيح رقابة أبوية دقيقة.
أظهر استطلاع حديث شمل أكثر من ألف طالب في اليابان أن نحو ثلاثة أرباعهم استخدموا تطبيقات مالية لتلقي مصروفهم من الآباء، مما يسلط الضوء على أهمية تعليم الطلاب أساسيات إدارة الأموال في عصر التحول الرقمي.
منذ عام 2022، دمجت وزارة التعليم اليابانية التثقيف المالي ضمن المناهج الدراسية من الابتدائي وحتى الثانوية.
وتركز البرامج على تعليم الأطفال الأصغر سنًا مفاهيم أساسية مثل الفرق بين الاحتياجات والرغبات، بينما يتعرف الطلاب الأكبر سنًا على المدفوعات غير النقدية والمنتجات المالية والتخطيط المالي طويل الأمد.
بدأت المؤسسة اليابانية للتثقيف المالي (J-FLEC) في أغسطس 2024 عملها على نطاق واسع، لتوفير مواد تعليمية ومعلمين متخصصين وتدريبهم على نشر الثقافة المالية، مع التركيز على التعاون بين القطاعين العام والخاص.
ووفقًا لرئيس المؤسسة “ساتوشي أندو”، يهدف التثقيف المالي إلى تمكين الأفراد بالمعرفة والثقة لاتخاذ قرارات مالية مستقلة، ما يعزز السلوكيات المالية السليمة.
أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة دليلاً للأطفال بعنوان “هل تعرف شيئًا عن المدفوعات غير النقدية؟” لتعريفهم بالمدفوعات الرقمية ومخاطرها وكيفية استخدامها بأمان.
وفي الوقت نفسه، أطلق القطاع الخاص برامج تعليمية تفاعلية للأطفال من سن مبكرة وحتى الجامعة، مثل تعاون “سيفن بنك” مع “آروز” لتطوير محتوى دراسي وفيديوهات تعليمية حول التخطيط للإنفاق وفهم المعاملات الرقمية.
كما تقدم “إن تي تي دوكومو” تجارب تعليمية عملية للأطفال تشمل الكسب والإدخار والإنفاق، بالتعاون مع “نومورا” لتنظيم فعاليات تمنح الأطفال نقاطًا رقمية يمكنهم استخدامها.
أصبحت اليابان نموذجًا عالميًا في تعزيز الثقافة المالية منذ الصغر، مستهدفة تعزيز الاستقلال المالي للأفراد وتنشيط الاقتصاد الوطني. وتوضح التجربة اليابانية أن الاستثمار في التعليم المالي المبكر ليس رفاهية، بل خطوة استراتيجية لبناء مجتمع قادر على إدارة أصوله بكفاءة في عالم رقمي متسارع.