الولاء الوظيفي بين الوهم والفرص…هل يبقى الموظف أسير شركته؟

في عصر الشركات الكبرى والهياكل المؤسسية المعقدة، لم يعد الولاء الوظيفي كما كان في المؤسسات الصغيرة قبل الثورة الصناعية، حيث العلاقات الشخصية والثقة المتبادلة كانت الركيزة الأساسية.
اليوم، غالبًا ما يقتصر الولاء على الشركة نفسها، بينما قد يؤدي البقاء الطويل في وظيفة واحدة إلى تراجع المكاسب المالية والفرص المهنية للموظف.
كشف تقرير “جالوب” لعام 2025 عن انخفاض معدل انخراط الموظفين عالميًا من 23% إلى 21% في 2024، وهو مستوى مشابه لفترة جائحة كوفيد-19، ما كلف الاقتصاد العالمي حوالي 438 مليار دولار بسبب فقدان الإنتاجية.
ويرتبط هذا الانخفاض بانخفاض تفاعل المديرين، حيث انخفضت نسبتهم من 30% إلى 27%، خاصة بين المديرين الشباب والنساء، نتيجة الضغوط بين مطالب الإدارة العليا وتوقعات الموظفين المتغيرة.
بينما تشجع بعض الشركات على الحضور اليومي في المكاتب، تظهر الدراسات أن نماذج العمل الهجينة أو عن بُعد قد تكون أكثر فاعلية.
فقد أظهرت دراسة “ستانفورد” أن الموظفين الذين يعملون من المنزل يومين أسبوعيًا حافظوا على مستوى إنتاجيتهم، مع انخفاض نسب الاستقالات بنسبة 33%.
يشعر حوالي 20% من الموظفين حول العالم بالوحدة يوميًا، وتكون هذه النسبة أعلى بين الموظفين دون سن 35 عامًا. وتشير الدراسات إلى أن الوحدة المزمنة تؤثر سلبًا على الصحة الجسدية والنفسية، حيث يضاعف غياب الروابط الاجتماعية خطر الوفاة مقارنة بالأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية قوية.
يعارض نحو 15% من الموظفين عالميًا أهداف أصحاب العمل، غالبًا بسبب القيود الاقتصادية التي تمنعهم من ترك وظائف لا يحبونها. ويظهر ضعف سوق العمل أن الانخراط الإيجابي لا يزداد، بل يزيد الغضب والإحباط، مما يؤكد أن الولاء الوظيفي يعتمد أكثر على الفرص الاقتصادية من كونه التزامًا دائمًا تجاه الشركة.
تختلف ثقافات العمل بين أوروبا الغربية والولايات المتحدة؛ ففي أوروبا يسود مفهوم “العمل من أجل الحياة” مع حماية قوية للعمال، لكن مستويات الانخراط منخفضة، بينما في الولايات المتحدة، حيث الحماية أقل، يظهر الموظفون التزامًا وحماسًا أعلى، ويساهمون بفاعلية في تحسين أداء فرقهم والشركة.
أظهرت بيانات أمريكية أن العمل عن بُعد عزز الإنتاجية في 61 صناعة بالقطاع الخاص، إلا أن هذه المكاسب لم تترجم إلى زيادة ملموسة في الأجور أو التعويض المباشر للموظفين.
رغم شعور 82% من العمال في أمريكا بالولاء لأصحاب عملهم، انخفض متوسط مدة البقاء في الوظيفة إلى 3.9 سنة في يناير 2024، وهو أدنى مستوى منذ 2002.
غياب التعويض المالي والتقدير الحقيقي يجعل الولاء خيارًا شخصيًا محفوفًا بالمخاطر، حيث غالبًا ما يتدفق الولاء نحو الإدارة فقط دون مردود حقيقي للموظف.
التمسك بوظيفة مألوفة قد يوفر الراحة والانسجام مع الزملاء، لكنه يحرم الموظف من التركيز على نموه الشخصي، الحصول على تعويض عادل، وتطوير مهاراته لمواكبة التغيرات التكنولوجية والاقتصادية، مما يجعله أمام تحدٍ مستمر بين الولاء المهني وتحقيق الطموح الشخصي.