القطاع البنائي في المغرب يخطو بثبات نحو مستقبل مستدام ورؤية 2030

مع اقتراب الأجندة الكبرى لسنة 2030، يشهد قطاع البناء والأشغال العمومية في المغرب تحوّلاً نوعيًا بفضل تسارع وتيرة المشاريع العمومية والخاصة على حد سواء.
فمن جهات العاصمة إلى الأقاليم الصاعدة، تبدو ورشات الطرق والسكك والموانئ في حركة دؤوبة، يعزّزها ارتفاع ملحوظ في تسليم الإسمنت وانطلاق مشاريع كبرى تفتح فصولًا جديدة في التنمية الترابية.
ووفق بيانات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، فإن إجمالي كميات الإسمنت المسلمة حتى نهاية مايو الماضي تجاوز 6 ملايين طن، مسجّلاً نموًا نسبته 9.48% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2024. ويؤشر هذا الرقم، برأي المهنيين، إلى انتعاش حقيقي للسوق وارتفاع ملموس في الطلب العمومي.
في هذا الإطار، اعتبر محمد محبوب، رئيس الجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الزخم الحالي لا يقتصر على تعافي ما بعد الركود، بل يمثل انطلاقة جديدة مدفوعة ببرامج استثمارية عملاقة تشمل:
البنيات التحتية الرياضية تحضيرًا لاستضافة كأس العالم 2030؛
الأوراش المائية الكبرى لضمان الأمن المائي وتنمية المناطق الجافة؛
شبكات النقل من قطار فائق السرعة وطرق سيارة إلى مشاريع النقل الحضري؛
التوسع المينائي لتطوير قدرات التصدير وربط المغرب بالعالم.
كما سجل محبوب بوادر انتعاش الطلب الخاص المدفوع بتأثيرات تنظيم المنافسة الكروية العالمية، حيث بدأت العديد من الجهات تشهد اندفاعة في مشاريع الإسكان والخدمات والسياحة، استجابة للنمو الديموغرافي وارتفاع سقف التطلعات.
ومن منظور تقني، يؤكد المهندس سمير بوشريط أن التحول الهيكلي في القطاع ينبع من اعتماد شركات البناء لتقنيات حديثة، أبرزها:
النمذجة الرقمية للمباني (BIM) لتخطيط أدقّ وتقليص الأخطاء.
المنتجات الجاهزة والمسبقة الصنع لتسريع إنجاز الأشغال وضمان جودة موحدة.
التصنيع الصناعي في البناء لرفع مستوى الإنتاجية وتقليص التكاليف.
ويشير بوشريط إلى أن هذا التطوّر التقني يتناغم مع مشاريع تحديث وتوسيع البنى التحتية الحيوية في الموانئ والسدود والمطارات، إلى جانب تعزيز شبكات الطرق والقطارات السريعة وشبكات النقل الحضري في الرباط، الدار البيضاء، طنجة، وغيرها من المدن الكبرى.
إطار تنظيمي مرن
يتطلّب القطاع مراجعة القوانين والإجراءات لتذليل العقبات أمام الأوراش وتقليص البيروقراطية، بما يسرّع من وتيرة منح التراخيص وتسهيل الاستثمارات.
تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة
تحتاج الشركات الصغيرة جدًا والمتوسطة إلى حلول تمويلية مبتكرة وخدمات استشارية تقنية، حتى تتمكن من مواكبة المشاريع الكبرى ورفع قدرتها التنافسية.
تطوير الموارد البشرية
يظلّ تحديث منظومة التكوين الأساسي والتدريب المهني المستمر ضرورة حتمية لتعزيز المهارات التقنية والرقمية لدى اليد العاملة، وضمان توظيف التكنولوجيا بفعالية.
تعزيز التموقع الإقليمي والدولي
يستوجب تحفيز بروز “أبطال وطنيين” في قطاع البناء عبر برامج دعم وتشجيع للتصدير والشراكات الدولية، مما يرفع من إشعاع المغرب في الأسواق الخارجية.
التحول نحو الاستدامة البيئية
يرتكز على اعتماد معايير صديقة للبيئة، واستخدام مواد بناء منخفضة الانبعاثات الكربونية، وإدماج الطاقة المتجددة في المشاريع لتحقيق اقتصاد دائري يحافظ على الموارد الطبيعية.
بفضل هذه الدينامية الشاملة والتوجهات الاستراتيجية الثلاث—التحديث التكنولوجي، والنمو الإقليمي، والتحول البيئي—يتهيّأ قطاع البناء والأشغال العمومية في المغرب ليؤدي دوره كاملاً كرافعة للنمو الاقتصادي والاجتماعي، وكمكوّن رئيسي في بناء بنى تحتية قادرة على الاستجابة لتحديات اليوم وطموحات الغد.