الذكاء الاصطناعي والمستقبل الطبي..ثورة جديدة قد تطيل أعمار البشر

لطالما شكلت الأمراض المعدية تهديدًا جسيمًا للبشرية، حيث أودت بحياة الملايين قبل أن يتمكن الإنسان من اكتشاف المضادات الحيوية.
ففي العصور الوسطى، كانت الإصابات البسيطة تؤدي أحيانًا إلى عدوى قاتلة، لكن مع اكتشاف البنسلين عام 1928 على يد “ألكسندر فليمنج”، شهد الطب تحولًا جذريًا.
و أصبح البنسلين والمضادات الحيوية سلاحًا رئيسيًا في مواجهة العدوى البكتيرية، وأنقذ الملايين من الأرواح. كما أسهم هذا الاكتشاف في زيادة متوسط العمر المتوقع عالميًا بمقدار 23 عامًا، بحسب موقع ساينس دايركت.
واليوم، مع ظهور الذكاء الاصطناعي، بدأ العالم يترقب تحوله المتوقع في صناعة الأدوية، حيث تُعد هذه التقنيات التكنولوجية الحديثة مرشحة لإحداث طفرة مشابهة لما أحدثته المضادات الحيوية في الماضي.
الذكاء الاصطناعي بات أداة قوية لسرعة اكتشاف الأدوية، وتحسين دقة التجارب السريرية، وتخفيض التكاليف المرتبطة بتطوير العقاقير الجديدة.
المضادات الحيوية هي مواد كيميائية تُستخدم للقضاء على البكتيريا أو تثبيط نموها، عبر استهداف جدران الخلايا البكتيرية أو تثبيط تكاثرها. وقد ساهمت المضادات الحيوية في علاج العديد من الأمراض، مثل الالتهاب الرئوي والتسمم الدموي.
و تطورت هذه المضادات بعد اكتشاف البنسلين، حيث ظهرت فئات جديدة مثل الستربتوميسين والتتراسيكلين، ما ساعد في تقليص معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض البكتيرية. ويشهد قطاع المضادات الحيوية استثمارات ضخمة تقدر قيمتها بحوالي 45 مليار دولار سنويًا.
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد فكرة نظرية بل أصبح قوة ثورية تؤثر في مختلف الصناعات، خاصة في الرعاية الصحية. هذا المجال بدأ بتطويره علماء في خمسينيات القرن الماضي، ومر بعدة مراحل تطورية بدءًا من النماذج الحاسوبية الرمزية وصولًا إلى شبكات التعلم العميق.
والآن، يساهم الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في تطوير أدوات تشخيصية، وتحسين العمليات الجراحية باستخدام الروبوتات، وكذلك في تحليل الصور الطبية.
الذكاء الاصطناعي يعِد بإحداث ثورة في اكتشاف الأدوية، إذ يتيح تحليل مجموعات بيانات ضخمة بسرعة ودقة، مما يسهم في تقليص مدة اكتشاف الأدوية قبل الانتقال إلى التجارب السريرية بنسبة تصل إلى 50%.
يُتوقع أن يشهد السوق العالمي للذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية نموًا كبيرًا، حيث يُتوقع أن يرتفع من 1.5 مليار دولار إلى 13 مليار دولار بحلول عام 2032.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين كفاءة التجارب السريرية عبر تحليل البيانات بشكل أسرع وأدق، مما يُسهم في تسريع عملية تطوير الأدوية. وبتقليص التكاليف والوقت، يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين سلاسل التوريد وعمليات التصنيع، بما يساهم في تطوير أدوية جديدة أكثر فعالية.
الدمج المستمر للذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية قد يسهم في تحسين الصحة العامة وزيادة متوسط العمر المتوقع. التوقعات تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساعد في اكتشاف علاجات جديدة لأمراض مستعصية مثل بعض أنواع السرطان، فضلًا عن تحسين العلاجات المخصصة للأفراد بناءً على بياناتهم الجينية.
يُتوقع أن تساهم أبحاث الشيخوخة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في إبطاء عملية الشيخوخة والوقاية من الأمراض المرتبطة بها.
متوسطات عمر الإنسان عالمياً على مدار أكثر من قرن (بحسب البيانات المتاحة) |
|
العام |
متوسط عمر الإنسان (بالسنة) |
1900 |
32 |
1950 |
46.4 |
1960 |
47.8 |
1970 |
56.3 |
1980 |
60.5 |
1990 |
64 |
2000 |
66.4 |
2010 |
70.1 |
2020 |
71.9 |
2023 |
73.2 |
بحلول عام 2050، من المتوقع أن يزيد متوسط العمر المتوقع بنحو 5 إلى 10 سنوات نتيجة للتقدم في الطب الشخصي وأبحاث الشيخوخة. ومع الابتكارات المستقبلية، قد يصبح العيش لأكثر من 100 عام أمرًا شائعًا بحلول أواخر القرن الحادي والعشرين.
و شهدت صناعة الأدوية نموًا ملحوظًا في العقدين الماضيين، حيث وصلت الإيرادات إلى 1.6 تريليون دولار أمريكي في عام 2023. من المتوقع أن يستمر هذا النمو، مع توقعات بأن يصل حجم السوق إلى 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2027.
كما يُتوقع أن تتجاوز مبيعات الأدوية الموصوفة عالميًا 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2030.
مع تزايد الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي وتكثيف الابتكار في صناعة الأدوية، سيُسهم هذا في تسريع وتيرة الاكتشافات الطبية وتحسين كفاءة العلاجات المخصصة.
وعلى الرغم من أن تأثير الذكاء الاصطناعي في هذه الصناعة قد يستغرق وقتًا أطول مقارنةً بتأثير المضادات الحيوية، إلا أنه يُمثل ثورة تكنولوجية قد تعيد تشكيل مفهوم الرعاية الصحية على المدى الطويل.
وفي النهاية، يبقى تأثير الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الحياة وطول العمر مرهونًا بتكامله مع الابتكارات الطبية الأخرى ومدى استثماره في معالجة التحديات الصحية العالمية بشكل فعّال وكفء.