تأثير الطلب المتزايد على الكهرباء في الصين على جهود مكافحة التغير المناخي
تُعد الصين من أكبر المساهمين في التلوث البيئي على مستوى العالم، مما يمنحها دورًا محوريًا في تحقيق أهداف تقليل الانبعاثات العالمية والتصدي للتغير المناخي.
ومنذ أن بدأت في تبني التقنيات النظيفة، أعرب العديد عن تفاؤلهم بإمكانية تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة قبل الهدف المستهدف لعام 2030.
إلا أن هذا التفاؤل لم يتحقق بعد، وذلك بسبب زيادة الطلب غير المسبوق على الكهرباء، مما دفع البلاد إلى الاعتماد على الفحم بشكل أكبر.
شهدت الصين نموًا في استهلاك الكهرباء بنسبة 6.8% العام الماضي، وهو ما فاق النمو الاقتصادي للبلاد وأدى إلى أكبر زيادة في الاستهلاك منذ 15 عامًا.
و مع تزايد التوترات الاقتصادية والتجارية، خاصة مع الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، يبقى من غير الواضح كيف ستتأثر جهود الصين في خفض انبعاثاتها بهذا النمو المستمر في الطلب على الطاقة.
كما صرح لوري ميليفيرتا، المحلل في “مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف”، أن “الطلب على الطاقة واستهلاك الكهرباء هما من العوامل الرئيسية التي تؤثر في تقلبات الانبعاثات”.
وأضاف أن المستقبل سيكون مرهونًا بالسياسات الاقتصادية والتجارية التي قد تحدد مسارات مختلفة.
لطالما كانت الكهرباء مقياسًا هامًا للنمو الاقتصادي في الصين. وكان رئيس الوزراء الأسبق، لي كه تشيانغ، قد أشار إلى أن استهلاك الكهرباء وحركة الشحن عبر السكك الحديدية، إضافة إلى الإقراض المصرفي، يمكن أن توفر صورة أكثر دقة عن الاقتصاد مقارنة بالأرقام التقليدية للناتج المحلي الإجمالي.
في السنوات الأخيرة، رغم أن الحكومة سعت لتحسين الكفاءة وتقليل استهلاك الطاقة لإنتاج السلع، إلا أن زيادة الطلب على الكهرباء كانت غير قابلة للإيقاف.
ومن المتوقع أن يواصل استهلاك الكهرباء نموه بنسبة 6% في عام 2025، بحسب “مجلس الكهرباء الصيني”، مما يعكس التحديات التي تواجهها الصين في تخفيض انبعاثات الكربون في قطاع الطاقة، الذي يمثل نحو نصف إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة.
يعتبر القطاع الصناعي المساهم الرئيسي في زيادة استهلاك الكهرباء في الصين، حيث يستهلك حوالي ثلثي إجمالي الكهرباء المنتجة في البلاد.
ورغم تراجع بعض الصناعات مثل إنتاج الصلب، فقد سجلت صناعات أخرى مثل النحاس والألمنيوم والبتروكيماويات مستويات إنتاج قياسية، مما يساهم في زيادة الطلب على الطاقة.
دفع الرئيس شي جين بينغ نحو تطوير صناعات جديدة مثل الأدوية والطائرات والسيارات الكهربائية، ما أسهم في ازدياد الطلب على الكهرباء لتشغيل الآلات والمصانع المرتبطة بهذه المنتجات.
لم تقتصر زيادة الطلب على الكهرباء في الصين على القطاع الصناعي فقط، بل امتدت إلى عدة مجالات أخرى. شهد قطاع النقل تحولًا نحو السيارات الكهربائية، مما زاد من الطلب على شحن السيارات بنسبة 38% العام الماضي، وهو ما يشكل 1.1% من إجمالي استهلاك الكهرباء في الصين.
وفيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، أشار محللو “غولدمان ساكس” إلى أن مراكز البيانات قد تمثل 5% من إجمالي استهلاك الكهرباء بحلول عام 2030، مقارنة بـ 1.6% في 2023، ما يعني زيادة ضغط كبير على شبكة الكهرباء.
تشهد الصين أيضًا موجات حر شديدة، مما أدى إلى زيادة استهلاك الكهرباء لتشغيل مكيفات الهواء، ما جعل فترات الذروة الصيفية أكثر وضوحًا وأدى إلى ضغوط إضافية على شبكة الكهرباء. هذه العوامل جميعها تثير تساؤلات حول كيفية موازنة الصين بين النمو الاقتصادي وتحقيق أهدافها المناخية.
بالرغم من تراجع النمو الصناعي في الأشهر الأخيرة من عام 2024، فإن الاستعدادات الحكومية لتقديم حوافز مالية جديدة قد تؤدي إلى استئناف زيادة الطلب على الكهرباء.
كما أن التصدي للتوترات التجارية مع الولايات المتحدة قد يزيد من الغموض حول مسار الاقتصاد الصيني وأثره على تحقيق أهداف خفض الانبعاثات.
وفي الختام، رغم التقدم الذي تحرزه الصين في تطوير الطاقة النظيفة، فإن النمو المستمر في الطلب على الكهرباء قد يشكل تحديًا كبيرًا لتحقيق الأهداف البيئية المحددة.