رحيل العظماء: كيف يؤثر تقاعد القادة المؤسسين على مستقبل الشركات؟

قبل أن يصبح اسمه مرادفًا للاستثمار الحكيم، كان وارن بافيت شابًا يطرق أبواب الشركات الصغيرة، يُدقق في دفاترها ويحلل ميزانياتها، سعيًا وراء الفرص التي يغفل عنها معظم المستثمرين.
كان يحمل في جيبه دفتر ملاحظات وقلماً، وإيمانًا راسخًا بأن القيمة الحقيقية تكمن في التفاصيل الصغيرة التي لا يراها السوق.
بدأت رحلة بافيت، كما هو الحال مع الكثير من العظماء، بتحديات ومخاطر. خسر في بعض رهاناته، وواجه مقاومة من مجالس الإدارات، وعاش فترات من العزلة المهنية.
ومع ذلك، استطاع بناء إمبراطورية مالية ضخمة تتمثل في شركة “بيركشاير هاثاواي”، التي تضم شركات متعددة النشاطات من بينها الطيران، السكك الحديدية، التأمين، والبرمجيات.
رغم نجاحه الكبير، لم ينسَ بافيت البساطة التي عاش بها طوال حياته، إذ لا يزال يقود سيارته بنفسه إلى العمل ويعيش في منزله ذاته الذي اشتراه في خمسينيات القرن الماضي.
ورغم أن ثروته قد تجاوزت المليارات، إلا أن بريق المال لم يغره أبدًا.
ومؤخرًا، أعلن بافيت تقاعده عن قيادة “بيركشاير هاثاواي” بعد أكثر من ستة عقود من القيادة الحكيمة. ورغم الحزن الذي خيم على عالم المال، إلا أن الخبر لم يفاجئ الكثيرين الذين كانوا على دراية بخطة الخلافة المدروسة التي وضعها بافيت، حيث اختار “جريج أبيل” ليخلفه في المنصب.
تقاعد بافيت يطرح تساؤلات هامة حول مصير الشركات عندما يرحل عنها قادتها المؤسسون. فهل تستطيع هذه الشركات الاستمرار في النجاح، أم أنها ستتعرض للانهيار بعد غياب شخصياتها الأيقونية؟
تقاعد بافيت جاء بعد مسيرة طويلة من النجاح حول خلالها “بيركشاير هاثاواي” من شركة نسيج متعثرة إلى تكتل اقتصادي ضخم تجاوزت قيمته السوقية تريليون دولار.
ولكن هذا الرحيل يثير القلق بين المستثمرين الذين اعتادوا على بصيرته الفريدة وقراراته الحكيمة في الأوقات الصعبة.
تقاعد العديد من قادة الشركات البارزين قد كان محوريًا في تاريخ هذه الشركات. على سبيل المثال، عندما تنحى “ستيف جوبز” عن قيادة “آبل” في 2011، كانت هناك مخاوف من تأثير غيابه على مستقبل الشركة، ولكن “تيم كوك” الذي تولى المنصب تمكن من مضاعفة أرباح الشركة وزيادة قيمتها السوقية بشكل كبير.
ومثال آخر هو “جيف بيزوس”، الذي تقاعد عن منصب المدير التنفيذي لأمازون في 2021، حيث تولى “آندي جاسي” القيادة في وقت عصيب، مما تطلب منه الحفاظ على استقرار الشركة ومواصلة النمو رغم التحديات الاقتصادية.
في “مايكروسوفت”، كان رحيل “بيل جيتس” عن القيادة في 2000 لحظة فارقة، ولكن تحت قيادة “ساتيا ناديلا” بدأ التحول الكبير في الشركة مع تركيزها على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، مما ساعدها على استعادة مكانتها في السوق.
بعد رحيل القائد المؤسس، قد تواجه الشركات العديد من التحديات. من أبرز هذه التحديات تغيير الثقافة المؤسسية، خاصة إذا كان القائد قد وضع بصمته الشخصية على بيئة العمل. بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني المستثمرون من فقدان الثقة ويشعرون بالقلق حيال المستقبل، مما قد يؤثر سلبًا على سعر السهم ويزيد من التقلبات السوقية.
أداء أسهم الشركات قبل وبعد إعلان تقاعد المؤسس: |
|||
الشركة |
تاريخ التقاعد |
سعر السهم قبل الإعلان |
السعر بعد شهر |
آبل |
غشت 2011 |
13.3 |
14.3 |
أمازون |
فبراير 2021 |
162.1 |
156.3 |
مايكروسوفت |
يناير 2000 |
54.25 |
50.62 |
ستاربكس |
يونيو 2000 |
4.67 |
4.63 |
بيركشاير هاثاواي |
مايو 2025 |
539.8 |
غير متاح |
كما أن التقاعد قد يسبب تباطؤًا في الابتكار، حيث غالبًا ما يكون القائد المؤسس هو المحرك الرئيسي للأفكار الجديدة.
وعلاوة على ذلك، قد تؤدي هذه التغييرات إلى فقدان بعض الكفاءات المخلصة للقائد السابق، مما قد يساهم في تراجع الأداء.
لتقليل تأثير هذه التحديات، يجب أن تتبنى الشركات استراتيجيات مدروسة مثل التخطيط المبكر للخلافة. وقد قام وارن بافيت بنفسه بإعداد خطة واضحة لخلافته، حيث اختار “جريج أبيل” ليحل محله، مما يضمن انتقالًا سلسًا.
أيضًا، يمكن تبني الانتقال التدريجي للقيادة، كما فعل كل من “ستيف جوبز” و”جيف بيزوس”، حيث ظل القائد السابق في أدوار استشارية أو كرئيس لمجلس الإدارة لضمان الاستمرارية.
وأخيرًا، تعد الشفافية عنصرًا أساسيًا لبناء الثقة مع المستثمرين، حيث يجب على الشركات أن تطمئنهم حول استراتيجيات المستقبل وخططها التوسعية.
رحيل القادة المؤسسين عن الشركات الكبرى يعد لحظة فارقة تتطلب حكمة وقيادة متجددة للحفاظ على استقرار الشركة واستمرارها في النجاح.
وبينما يغلق فصل مهم في حياة هؤلاء القادة، تظل التساؤلات مفتوحة حول قدرة الشركات على الاستمرار في مرحلة ما بعد غيابهم، خاصة في ظل التحديات الكبرى التي يواجهها الاقتصاد العالمي.