ما السر وراء بيع وارن بافت نصف حصته في شركة أبل؟
“الدهشة” هي ردة فعل المتابعين للنتائج المالية لشركة “بيركشاير هاثاواي” التي كشفت يوم السبت عن بيع الملياردير الشهير “وارن بافت” نحو نصف حصة الأخيرة في شركة “أبل”.
سبب “الدهشة” هو الحيرة التي خلفها تخلي “بافيت” عن أسهم صانعة الآيفون، والتي طالما وصفها بأنها استثمار مهم لشركته، خاصة أن عمليات البيع رفعت السيولة النقدية لـ”بيركشاير” إلى مستوى قياسي بلغ 277 مليار دولار، في إشارة إلى أن عملية البيع ليست بسبب نقص السيولة لديها.
عمليات البيع أيضاً جاءت رغم ارتفاع سعر سهم “أبل” بنسبة 23% منذ بداية العام، أي أن سهم الشركة لا يزال يحقق مكاسب، إذن ما السبب وراء بيع “بافيت” هذا الحجم من أسهم أبل؟
بداية لا تزال شركة “بيركشاير” تمتلك نحو 400 مليون سهم بقيمة 84.2 مليار دولار وفقاً لبياناتها المالية حتى 30 يونيو الماضي.
كما أن عمليات بيع “بيركشاير” أسهمها في “أبل” امتدت لسبعة أرباع متتالية، لكن الربع الثاني من هذا العام شهد أكبر عملية بيع بعد تخلي بافيت عن أكثر من 75 مليار دولار من الأسهم في الربع الثاني.
وبذلك تصل قيمة إجمالي الأسهم المبيعة في النصف الأول من عام 2024 إلى أكثر من 90 مليار دولار.
السر وراء عمليات البيع
وتباينت آراء المحللين بشأن الأسباب التي دفعت “بيركشاير” للتخلص من هذه الأسهم في “أبل” رغم السيولة الكبيرة المتوفرة لدى الشركة، إلا أن العديد منهم رأى أن النتائج المالية لـ”بيركشاير” التي صدرت يوم السبت تشير إلى أن “بافيت” البالغ من العمر 93 عاماً، أصبح حذراً بشأن الاقتصاد الأمريكي، أو تقييمات سوق الأسهم التي أصبحت مرتفعة للغاية.
وتقول كاثي سيفيرت، المحللة في سي إف آر إيه ريسرش إنه “إذا نظرت إلى صورة بيركشاير بأكملها والبيانات الاقتصادية الكلية، فإن الاستنتاج (وراء بيع أسهم أبل) هو أن بيركشاير تتخذ موقفاً دفاعياً”.
أما جيم شانهان، المحلل في إدوارد جونز فيقول إن “وارن بافت” يعتقد بأنه ليست هناك فرص جذابة في الأسهم المتداولة علناً، بما في ذلك أسهم شركته، قائلاً “هذا يجعلني أشعر بالقلق بشأن ما يفكر فيه بشأن الأسواق والاقتصاد”.
سبب آخر قد يكون وراء عمليات البيع بحسب تصريحات سابقة لـ”بافت” الذي قال في الاجتماع السنوي لشركته في مايو الماضي “نود أن ننفقها -في إشارة إلى سيولة “بيركشاير” النقدية-، لكننا لن ننفقها ما لم نعتقد أننا نفعل شيئاً ينطوي على مخاطر قليلة جداً ويمكن أن يدر علينا الكثير من المال”.
واعتبر “بافت” حينها أن عمليات بيع أسهم “أبل” تعد منطقية لأن “معدل الضريبة الفيدرالية البالغ 21% على المكاسب من المرجح أن يرتفع”.
وارتفعت السيولة النقدية لدى “بيركشاير هاثاواى” إلى 276.9 مليار دولار في الربع المنتهي في 30 يونيو مقابل 189 مليار دولار خلال الربع السابق لتسجل مستوى قياسياً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن “بيركشاير” باعت صافي 75.5 مليار دولار من أسهم “أبل”.
وفي الربع الثاني باعت الشركة نحو 390 مليون سهم من أسهم “أبل”، إضافة إلى 115 مليون سهم بيعت من يناير إلى مارس الماضي.
وخلال الربع الثاني أعادت “بيركشاير” شراء ما قيمته 345 مليون دولار فقط من أسهمها الخاصة، بانخفاض عن 2.57 مليار دولار في الربع الأول.
ومنذ منتصف يوليو، باعت بيركشاير أيضاً أسهماً في “بنك أوف أميركا”، ثاني أكبر حيازة أسهم لديها بعد “أبل”، بقيمة أكثر من 3.8 مليار دولار.
وهذه المعلومات مجتمعة تشير إلى أن هناك موقفاً حذراً من جانب “بافت” بشأن عمليات شراء جديدة في الأسهم، وميله إلى عمليات البيع.
وجاءت نتائج “بيركشاير” بالتزامن مع موجة بيع في سوق الأسهم دفعت العديد من مؤشرات البورصات العالمية للهبوط بنحو ملحوظ، عقب تقرير الوظائف الأمريكية الضعيف والذي أثار مخاوف بشأن النشاط الاقتصادي لأكبر اقتصاد في العالم، وما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد انتظر طويلاً لخفض أسعار الفائدة.
وخلال تعاملات يوم الجمعة، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 610 نقاط أو 1.51% ليغلق على 39737 نقطة، وخسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بواقع 100 نقطة أو 1.84% ليصل إلى 5346 نقطة.
وانخفض مؤشر ناسداك المجمع 417 نقطة أو 2.43% إلى 16776 نقطة.
ودفع التراجع ناسداك إلى الانخفاض بأكثر من 10% من أعلى مستوى إغلاق له في يوليو الماضي.
وبلغ مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أدنى مستوياته منذ الرابع من يونيو الماضي.
هل الحذر جديد على بافيت؟
جاءت مبيعات سهم “أبل” بعد عامين فقط من وصف “بافت” شركة “أبل” بأنها واحدة من “العمالقة الأربعة” لشركة بيركشاير، إلى جانب أعمال التأمين الخاصة بها، وبي إن إس إف وبركشاير هاثاواي إنرجي.
في السابق، كان “بافيت” وشريكه الاستثماري الراحل “تشارلي مونجر” حذرين لفترة طويلة من الاستثمار في شركات التكنولوجيا، وعلى مر السنين أدركوا حقيقة أنهم فوتوا فرصاً للاستثمار في هذا القطاع، وخاصة أن شركتهم حققت أداءً سيئاً عندما استثمرت في التكنولوجيا، ولا سيما مع “أي بي إم” في عام 2011.
لكن تردده في الاستثمار في الصناعة تحول في عام 2016، عندما غاص “بافت” في “أبل”، وتشير تقديرات “فاينانشال تايمز” إلى أن “بيركشاير” أنفقت نحو 40 مليار دولار لشراء أسهمها منذ ذلك الحين.
وحقق سهم “أبل” عائداً إجمالياً بلغ نحو 800% منذ أن كشفت بيركشاير لأول مرة عن استثمارها بالشركة.
وقال “كريستوفر روسباخ”، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة “بيركشاير جيه ستيرن آند كو”، إن مبيعات أسهم “أبل” كانت “علامة على أن الانضباط في التقييم الذي يتحدث عنه بافت باعتباره جوهر قراراته الاستثمارية وفي طليعة أفكاره”.
وأضاف “روسباخ” أن السؤال حول “كيفية استثمار بافت للأموال وما إذا كان يستطيع إيجاد فرص استثمارية أخرى بين الأسهم أو إعادتها للمساهمين من خلال عمليات إعادة الشراء سيكون دائماً سؤالاً مطروحاً على الساحة”.
واستفادت “بيركشاير” من ارتفاع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي على مدى العامين الماضيين، ما عزز دخل الفائدة على محفظتها من سندات الخزانة.
وحققت الشركة 2.6 مليار دولار من دخل الفائدة في الربع الثاني و8 مليارات دولار على مدار العام الماضي، متجاوزة 5.4 مليار دولار تلقتها في شكل أرباح على محفظتها من الأسهم البالغة 285 مليار دولار.
أكبر 5 استثمارات في محفظة “بيركشاير هاثاواي” |
||||||
الشركة |
|
عدد الأسهم (بالمليون) |
|
القيمة |
|
نسبة الأسهم من محفظة الشركة |
أبل |
|
789.37 |
|
173.6 |
|
%44.3 |
بنك أوف أمريكا |
|
942.43 |
|
35.42 |
|
%9 |
أمريكان إكسبريس |
|
151.61 |
|
35.22 |
|
%9 |
كوكاكولا |
|
400 |
|
27.73 |
|
%7.1 |
شيفرون |
|
122.98 |
|
18.27 |
|
%4.7 |
تاريخ بيركشاير هاثاواي
تحتل “بيركشاير هاثاواي” المركز السابع في قائمة أكبر الشركات في العالم من حيث القيمة السوقية وفقاً لتصنيف فوربس لأكبر الشركات العالمية في عام 2023
وتمتلك الشركة، المصنفة ضمن قطاع الخدمات المالية وصناعة إعادة التأمين، عشرات الشركات عبر قطاعات وصناعات مختلفة، بما في ذلك التأمين والمرافق والطاقة والنقل والتصنيع والتجزئة.
وتشتهر بكونها قناة استثمارية لـ”بافت” وشريكه التجاري القديم “تشارلز مونجر”، الذي توفي في نوفمبر 2023.
ومنذ عام 1965، وسعت شركة بيركشاير هاثاواي محفظتها بشكل كبير، حيث استحوذت على أكثر من 60 شركة (شركات تابعة) ولها ملكية جزئية في العديد من الشركات الأخرى.
يعود تاريخ الشركة إلى شركتين للنسيج في ماساتشوستس هما شركة هاثاواي للتصنيع (تأسست عام 1888) وشركة بيركشاير كوتون للتصنيع (تأسست عام 1889).
وفي عام 1956 أي بعد عام من تأسيسها، كان لدى شركة “بيركشاير هاثاواي” 14 مصنعاً وأكثر من 10 آلاف موظف؛ وأصبحت عملاقاً في صناعة النسيج.
وفي عام 1962 قامت “بافت بارتنرشيب ليمتد”، وهي مجموعة استثمارية يقودها “بافت”، بشراء أسهم “بيركشاير هاثاواي” بسعر 7.50 دولار للسهم، مقارنة بالقيمة الدفترية المقدرة للشركة بـ20.20 دولار، ما سمح له بالسيطرة على الشركة في عام 1965.
أما وارن بافيت فولد في 30 أغسطس عام 1930 في أوماها بالولايات المتحدة، ويُعتبر على نطاق واسع واحداً من المستثمرين الأكثر نجاحاً، بعد أن تحدى اتجاهات الاستثمار السائدة لجمع ثروة شخصية تزيد على 100 مليار دولار.
ويُعرف بافيت باسم “عراف أوماها”، وهو ابن النائب الأمريكي هوارد هومان بافيت من نبراسكا.