وزير الصناعة : المهندس المغربي في أوروبا يتقاضى 6500 يورو مقابل 1000 يورو فقط في المغرب

كشف وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، خلال لقاء رسمي أقيم في إقامة السفير الألماني بالرباط، عن ما بدا وكأنه نجاح اقتصادي، لكنه يعكس في العمق توجهًا مقلقًا يقوم على تقليص القيمة الاقتصادية للكفاءات الوطنية في سبيل خدمة شركاء أجانب.
الوزير تحدث بصراحة عن الفرق في كلفة توظيف المهندسين المغاربة بين أوروبا والمغرب، مشيرًا إلى أن المهندس المغربي يكلف الشركة الألمانية نحو 6500 يورو شهريًا، بينما يمكن توظيفه داخل بلاده مقابل 1000 إلى 1500 يورو فقط.
هذه الفجوة الصارخة في الأجور تُقدَّم كميزة تنافسية، لكنها تطرح تساؤلات حقيقية حول الدور الذي ارتضاه المغرب لنفسه في سلاسل القيمة العالمية: دور البلد الذي يصدر العقول لا المنتجات، ويهيئ كفاءاته بعناية ليضعها تحت تصرف الشركات متعددة الجنسيات بأقل تكلفة ممكنة.
ما يُعرض على أنه “تقديم حلول مبتكرة”، لا يبدو سوى نسخة حديثة من “التعهيد البشري” حيث يتحول رأس المال البشري إلى مورد جاهز للتصدير.
الوزير لم يتردد في الاعتراف بأن الاقتصاد الوطني غير قادر على استيعاب جميع الكفاءات التي ينتجها، وهو اعتراف يُغني عن أي تأويل.
فبدل إعادة النظر في النموذج الاقتصادي وتنمية سوق شغل وطنية قادرة على احتضان هذه الطاقات، يُعزز التوجه نحو التكوين من أجل التصدير.
والنتيجة: أطباء ومهندسون يتم إعدادهم بموارد عمومية للعمل في الخارج، في حين تعاني المؤسسات الوطنية من خصاص هيكلي في نفس الكفاءات.
الأكثر إثارة للقلق هو طريقة تقديم هذا الواقع. فتصريح الوزير بأن “المهندس المغربي يمكنه أن يحيا حياة أفضل في بلاده براتب 1500 يورو”، يتجاهل واقعًا معقدًا يتسم بارتفاع تكاليف المعيشة، نقص الخدمات الأساسية، ومحدودية آفاق الترقّي الاجتماعي.
فهل يُعقل أن يُعتبر راتب بهذا الحجم إنجازًا في ظل هذه الظروف؟
ما يتم الترويج له كشراكة متوازنة، يتضح عند الفحص أنه اختلال صارخ. المغرب لا يطالب بالتكنولوجيا، بل يرسل من يستطيعون ابتكارها إلى الخارج. لا يبني اقتصادًا وطنيًا تنافسيًا، بل يتحول تدريجيًا إلى مزود عالمي للكفاءات الرخيصة.
هذا ليس تحوّلًا استراتيجيًا كما يُقال، بل استسلام سياسي لنموذج تنموي اختار الطريق الأسهل: تصدير البشر بدل بناء فرص لهم داخل الوطن.
في هذا السياق، يبدو أن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو: هل يسير المغرب بثبات نحو التحول إلى حديقة خلفية أوروبية لإنتاج وتصدير العقول؟ وإذا كان الجواب نعم، فهل هذا هو الطموح الذي رسمته النخب السياسية لمستقبل البلاد؟