مأزق رأس المال البشري في المغرب..فشل مستمر في استثمار الكفاءات

في وقت تسعى فيه العديد من الدول إلى تعزيز قدراتها الصناعية من خلال تطوير رأس المال البشري، يظل المغرب متأخرًا في هذا المجال، وفقًا لتقرير صادر عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM).
التقرير يُظهر صورة قاتمة لإدارة المهارات والكفاءات في البلاد، مشيرًا إلى فشل ذريع في تطبيق سياسة التكوين المستمر التي يفترض أن تكون أداة حيوية لتحسين مستوى العمل.
فبدلاً من أن تشكل هذه السياسة حلاً فعالاً، تظل مجرد شعار فارغ بينما تغرق الشركات في فخ البيروقراطية والجمود الإداري.
التقرير يُظهر أرقامًا صادمة، حيث أن 9% فقط من العمال في المغرب يستفيدون من برامج التكوين المستمر، وهي نسبة منخفضة جدًا مقارنة بدول مثل فرنسا (48.3%) وإسبانيا (55.4%).
هذه الفجوة الكبيرة تثير العديد من التساؤلات حول فعالية السياسات الحكومية التي لا تزال تخصص ميزانيات ضخمة لمشاريع التكوين، بينما تظل النتائج ضعيفة أو معدومة.
من المفاجئ أن التقرير أشار إلى أن أقل من 1% من الشركات تستفيد من الفرص المتاحة لتطوير مهارات موظفيها. المشكلة لا تكمن في نقص الفرص بل في تعقيد الإجراءات الإدارية، التي تحول دون تحقيق أي استفادة حقيقية من هذه البرامج، حيث تتحول إلى إجراءات شكلية لا تقدم قيمة مضافة.
واحدة من أكبر التحديات التي يكشف عنها التقرير هي الفجوة بين التكوين الذي يتلقاه العمال والاحتياجات الفعلية لسوق العمل. فالعديد من المناهج التعليمية لا تتماشى مع احتياجات الصناعة، ولا سيما في القطاعات المتقدمة مثل صناعة الطيران التي تتطلب مهارات فنية مبتكرة ومتطورة.
كما أن الحكومات تتحمل جزءًا من المسؤولية في ترك العمال يواجهون سوقًا متقلبًا دون تأهيل يتناسب مع التحولات العالمية، مما يؤثر سلبًا على الأداء الاقتصادي ويعرقل النمو.
يشير التقرير إلى أن الحكومة لا تملك رؤية واضحة لمستقبل الوظائف في المغرب، ما يجعل البلاد في وضعية المتفرج على التطورات السريعة في الاقتصاد العالمي.
هذا النقص في التوقعات والاستعداد لتحولات سوق العمل يضع المغرب في موضع المتأخر.
حتى البرامج الناجحة التي شهدها المغرب، مثل تجربة مدرسة الكيمياء في القنيطرة، تظل استثناءً بعيدًا عن أن تصبح نموذجًا قابلًا للتوسع على مستوى البلاد.
ورغم اقتراح الاتحاد العام لمقاولات المغرب لبعض الحلول مثل توسيع برامج التكوين بالتناوب وتطوير شراكات مع الجامعات، إلا أن هذه المقترحات لا تزال وعودًا غائبة عن التنفيذ الجاد ما لم يتم إجراء إصلاحات جذرية في النظام الإداري.
مع استمرار هذا التحدي، يبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى سيظل المغرب عالقًا في هذا الوضع؟
ومتى ستدرك السلطات أن الاستثمار في رأس المال البشري ليس خيارًا بل ضرورة حتمية لضمان مستقبله الاقتصادي؟ إذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة، فإن المغرب قد يواجه سلسلة من الأزمات التي قد تكون أكثر تعقيدًا في المستقبل.