الاقتصادية

صناديق المؤشرات…من تنويع مبسط إلى مركزة محفوفة بالمخاطر

عندما ظهرت صناديق المؤشرات لأول مرة، اعتُبرت حلاً بسيطاً وفعالاً للمستثمرين الراغبين في دخول الأسواق المالية دون الحاجة إلى متابعة دقيقة أو اختيار أسهم فردية.

فقدمت وعداً جذاباً: استثمار متنوع يقلل المخاطر، ويعكس صورة واقعية للاقتصاد. غير أن المشهد المالي اليوم بات مختلفاً تماماً، حيث تحولت هذه الصناديق من أدوات تمثيل شاملة إلى أدوات تعكس تحركات عدد قليل من الشركات العملاقة، ما يثير تساؤلات حقيقية حول مدى جدواها وفعاليتها.

بحسب “مايكل كانرويتز” من شركة “بايبر ساندلر”، ازدادت تركيزات السوق الأمريكية على عدد محدود من الشركات، بحيث أصبح أكثر من نصف أداء المؤشر مرهوناً بتحركات 7 إلى 10 شركات فقط.

وهذا يعني أن المستثمر الذي يعتقد أنه يستثمر بشكل متنوع، يكون في الواقع معرضاً لتقلبات مركزة في تلك الشركات الكبرى، خاصة مع صعود قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي التي تزيد من تأثير هذه الشركات على السوق.

يُشبّه “تورستن سلوك”، كبير الاقتصاديين في “أبولو”، هذا التركيز بفقاعة الإنترنت في أواخر التسعينات، إذ تجاوزت تقييمات أكبر عشر شركات في مؤشر “إس آند بي 500” مستويات غير منطقية، مما يدل على اختلال في توازن المؤشر وتأثيره.

How To Invest In Index Funds - Meaning, Benefita And More

الأمر لا يقتصر على المؤشرات العامة فقط، فالصناديق القطاعية أيضاً تعاني من مشكلات، إذ تواجه قيوداً قانونية تمنعها من تمثيل الشركات الضخمة بحجمها الحقيقي، ما يؤدي إلى انحراف في أدائها مقارنة بالمؤشرات المرجعية وأداء السوق الفعلي.

ويطال هذا الخلل قطاعات متعددة مثل التكنولوجيا والاتصالات والسلع الاستهلاكية.

من جانب آخر، أدى الانتشار الكبير للاستثمار السلبي إلى تراجع دور التحليل الأساسي في تقييم الأسهم، حيث باتت قرارات الشراء والبيع تستند فقط إلى وجود السهم ضمن المؤشر، دون النظر العميق إلى أداء الشركة الفعلي وأخبارها، مما يؤثر سلباً على كفاءة السوق ويولد تسعيراً غير عادل.

يتجلى هذا التحول بوضوح في السوق الأمريكية منذ عام 2009، حيث تفوقت الأسهم مرتفعة السعر والشركات الكبرى على الشركات الصغيرة والمقومة بأقل من قيمتها، وهو عكس القواعد التقليدية للاستثمار التي تكافئ الباحثين عن القيمة الحقيقية.

في سياق مشابه، كشف استطلاع لشركة “كارن” أن 88% من مديري الثروات والمؤسسات المالية يرون أن كثيراً من الصناديق النشطة لا تقدم أداءً يبرر التكاليف المرتفعة، وغالباً ما تقوم بتعديلات طفيفة على المؤشر المرجعي فقط.

وفي ظل هذه التطورات، برزت صناديق جديدة تروج لنفسها كفرصة للمستثمرين العاديين لنسخ استراتيجيات كبار المستثمرين من خلال متابعة إفصاحاتهم الفصلية، لكن هذه الصناديق لا تعكس تحركات فورية ولا تقدم رؤية شاملة، مما قد يعرض المستثمر العادي لمخاطر أكبر بدلاً من منحهم ميزة.

في الختام، يظل السؤال المطروح: هل ما زالت صناديق المؤشرات تمثل خياراً ذكياً وفعالاً لتنويع الاستثمار؟ أم أنها تحولت إلى أداة تركز المخاطر في يد عدد محدود من الشركات العملاقة، محوّلة المستثمرين إلى متفرجين في سوق تعاني من اختلالات عميقة؟

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى