ريفس تستعد لتشديد السياسة المالية البريطانية تحسباً لصدمات اقتصادية محتملة

تستعد وزيرة المالية البريطانية، راشيل ريفز، لإدخال تعديلات جوهرية في الموازنة المرتقبة أواخر نوفمبر المقبل، بهدف تعزيز الهامش المالي الاحتياطي ضمن القواعد المالية الأساسية للحكومة.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة صنداي تلغراف، تسعى ريفز من خلال هذه الخطوة إلى تحصين المالية العامة ضد أي صدمات اقتصادية محتملة أو اضطرابات مفاجئة في الأسواق المالية، خصوصاً في ظل تزايد المخاوف من تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض.
تأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه الحكومة البريطانية تحديات اقتصادية متشابكة، إذ ارتفعت تكاليف الاقتراض الحكومي بأكثر مما كان متوقعًا، وتخلت الحكومة عن خطة كانت تهدف إلى تقليص نفقات الرفاه الاجتماعي بنحو 5 مليارات جنيه إسترليني سنويًا، مما ضيّق نطاق المناورة المالية أمام وزارة الخزانة.
في المقابل، خفّض مكتب مسؤولية الميزانية توقعاته للنمو الاقتصادي خلال العامين المقبلين، ما زاد من الضغوط على ريفز لإعادة تقييم أولويات الإنفاق العام والضرائب.
وكانت وزيرة المالية قد أعلنت في بيان الربيع الصادر في مارس الماضي أن خطط الإنفاق والضرائب ستُبقي على هامش مالي قدره 9.9 مليارات جنيه إسترليني (حوالي 13 مليار دولار)، وهو الفارق بين الإيرادات والنفقات العامة، بهدف تحقيق توازن مالي مستدام بحلول عام 2030.
غير أن التطورات الأخيرة في الأسواق المالية تشير إلى أن هذا الهامش قد لا يكون كافيًا لمواجهة تقلبات الاقتصاد العالمي، مما يدفع ريفز إلى التفكير في توسيعه خلال الميزانية الجديدة.
وتشير تقديرات مراكز الأبحاث الاقتصادية إلى أن الحكومة قد تضطر إلى زيادة الضرائب بما يصل إلى 30 مليار جنيه إسترليني في موازنة 26 نوفمبر المقبل لتغطية الفجوة المالية المتنامية.
وتؤكد المصادر أن ريفز تدرس خيارات متعددة لتحقيق ذلك، من بينها تعديل ضريبة الأرباح الرأسمالية ورفع بعض الضرائب على الشركات الكبرى، إلى جانب مراجعة الإعفاءات الضريبية التي تستفيد منها بعض القطاعات.
ويُذكر أن ريفز كانت قد فرضت العام الماضي زيادات ضريبية بلغت نحو 40 مليار جنيه إسترليني، وأعلنت آنذاك أنها لن تلجأ إلى خطوة مماثلة مرة أخرى.
إلا أن تغير الظروف الاقتصادية، لا سيما بعد تباطؤ النمو وارتفاع الدين العام، قد يجبرها على تبني سياسات مالية أكثر تشددًا، حتى وإن كانت غير شعبية على المدى القصير.
ويرى عدد من خبراء الاقتصاد البريطانيين أن تعزيز الهامش المالي قد يسهم في تهدئة مخاوف الأسواق، إذ يُنظر إلى اتساع الفارق بين الإيرادات والنفقات كعلامة على استقرار مالي أكبر وقدرة الحكومة على التعامل مع صدمات مفاجئة مثل ارتفاع أسعار الفائدة أو تراجع الجنيه الإسترليني.
ويعتقد بعضهم أن أي زيادة طفيفة في الضرائب قد تكون أقل ضررًا من فقدان ثقة المستثمرين في قدرة بريطانيا على ضبط ماليتها العامة.
وفي المقابل، يحذر آخرون من أن سياسة التقشف المالي قد تؤثر سلبًا في معدلات النمو على المدى القريب، خصوصاً إذا تم خفض الإنفاق العام في مجالات حيوية مثل الرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم، وهي القطاعات التي تعتبرها الحكومة الحالية أساسية لتحفيز الإنتاجية ودعم الطبقة العاملة.
من جانبها، أكدت وزارة الخزانة البريطانية أن القواعد المالية التي وضعتها ريفز تهدف إلى الحفاظ على استقرار أسعار الفائدة وتوجيه الإنفاق نحو الاستثمارات طويلة الأجل التي تخلق فرص عمل وتعزز النمو المستدام.
وأضاف متحدث باسم الوزارة أن “النهج المالي المسؤول هو الطريق الأمثل لتقليل مستويات الاقتراض في السنوات المقبلة، وتمكين الحكومة من زيادة الإنفاق على الخدمات العامة وتخفيف عبء خدمة الدين عن كاهل المواطنين.”
ومع اقتراب موعد الإعلان عن الموازنة الجديدة، تتجه الأنظار إلى ريفز التي تجد نفسها أمام اختبار سياسي واقتصادي صعب، بين الحاجة إلى ضبط الإنفاق وتحقيق الانضباط المالي من جهة، والرغبة في تحفيز الاقتصاد البريطاني المتباطئ من جهة أخرى.