اقتصاد المغربالأخبار

ريادة الأعمال في المغرب..بين حماس الشباب وهاجس الفشل

تُظهر نتائج تقرير مرصد ريادة الأعمال العالمي للفترة 2024/2025 أن مشهد ريادة الأعمال في المغرب يتسم بالحيوية والنمو، رغم استمرار وجود عقبات هيكلية تحول دون تطور المشاريع الناشئة إلى شركات مستقرة قادرة على توفير فرص عمل مستدامة.

و استند التقرير إلى مسح شمل 51 دولة وأكثر من 150 ألف مشارك، مما أتاح تقديم رؤية شاملة حول واقع ريادة الأعمال عالميًا مع تسليط الضوء على الأداء المغربي وفق مؤشرات اقتصادية واجتماعية وسياسية.

حقق المغرب في مؤشر السياق الوطني لريادة الأعمال لعام 2024 درجة 3.9، مقارنة بدرجة 4.3 في العامين السابقين. ويُعزى هذا التراجع إلى انخفاض تقييم 11 من أصل 13 شرطًا إطاريًا، خاصة في برامج ريادة الأعمال الحكومية التي تراجعت من 4.4 إلى 3.5، إلى جانب تراجع سياسات الدعم التي انخفضت من 5.7 إلى 4.9.

وعلى الرغم من ذلك، يحتفظ المغرب بمكانة تنافسية فيما يتعلق بوصول النساء إلى الموارد الريادية، حيث حصلت على تقييم 5.9، إلا أنه لا يزال متأخرًا في تبني معايير الاستدامة البيئية والاجتماعية التي سجلت تقييمًا منخفضًا بلغ 4.

على الجانب الإيجابي، شهدت البنية التحتية الرقمية تطورًا ملحوظًا ضمن مبادرة “المغرب الرقمي 2030” التي خصصت لها ميزانية تصل إلى 1.1 مليار دولار لدعم وتمويل الشركات الناشئة وتسهيل توسعها على الصعيدين الإقليمي والدولي.

كما سعت الحكومة إلى تبسيط الأنظمة الضريبية الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة، مما يُعد خطوة هامة لتعزيز بيئة الأعمال.

تشير الإحصائيات إلى أن نسبة المشاركة في ريادة الأعمال بين البالغين في المغرب بلغت 12.5٪، وهي قيمة تضاعفت مقارنة بالعام الماضي، مما يعكس حافزًا متزايدًا لدى المواطنين لإطلاق مشاريعهم الخاصة.

ومع ذلك، فإن معدل استدامة هذه المشاريع لا يزال منخفضًا، إذ تبلغ نسبة استمرار الشركات القائمة 3.3٪ فقط، ما يعكس ضعف البيئة الداعمة لنمو المشاريع بسبب صعوبات في الوصول إلى التمويل، الإجراءات البيروقراطية، ونقص الإرشاد الريادي.

ومن ناحية الثقافة الريادية، يعرف 78.2٪ من المغاربة شخصًا بدأ مشروعه الخاص، ويعتقد 62.6٪ بوجود فرص جيدة لبدء مشروع في مناطقهم. لكن، تخشى نسبة 52.3٪ من الأفراد الفشل، وهو ما قد يعيق إطلاق مبادرات جديدة.

يكشف التقرير أيضًا أن 87.2٪ من رواد الأعمال المغاربة الجدد بدأوا مشاريعهم بدافع الحاجة لكسب لقمة العيش نتيجة ندرة الوظائف، مما يشير إلى أن الريادة غالبًا ما تكون نتيجة لظروف اقتصادية صعبة بدلاً من استغلال الفرص المتاحة.

وتعد هذه الظاهرة تحديًا إضافيًا، إذ إن المشاريع القائمة على الضرورة تكون غالبًا أقل استدامة وقدرة على الابتكار والتوسع.

كما أظهرت البيانات أن 49.3٪ من رواد الأعمال يأخذون التأثيرات الاجتماعية بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات التجارية، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 39.4٪ عند الحديث عن التأثيرات البيئية، مما يجعل المغرب في المرتبة الأخيرة بين 51 دولة شملها المسح. بالإضافة إلى ذلك، يولي 44.1٪ فقط من أصحاب المشاريع الأولوية للاستدامة الاجتماعية والبيئية على حساب الربح أو النمو، مقارنة بنسب أعلى في دول أخرى.

ورغم هذه التحديات، برزت قصص نجاح ريادية في المغرب مثل مشروع “كويمر” الذي أسسته آية العرقي. يعمل المشروع على إعادة تدوير جلود الأسماك لإنتاج جلد بحري عالي الجودة يعد بديلاً مستدامًا عن جلود الزواحف المستخدمة في صناعة الموضة.

منذ انطلاقه عام 2016، تمكن المشروع من إعادة تدوير أكثر من 40 طنًا من جلود الأسماك، مما ساهم في تقليل الطلب على جلود الحيوانات النادرة ودعم الصيد المستدام عبر شراكات مع الصيادين المحليين.

يبرز التقرير أيضًا ضعف قدرة المشاريع الناشئة على خلق فرص عمل، حيث يتوقع معظم رواد الأعمال الاعتماد على أنفسهم دون توظيف عمال جدد، فيما تتوقع نسبة ضئيلة (3.1٪) توظيف ستة أشخاص أو أكثر خلال السنوات الخمس المقبلة.

وهذا يبرز الحاجة الماسة إلى سياسات أكثر فاعلية لتحويل المشاريع الناشئة إلى شركات قادرة على توليد وظائف حقيقية.

ولتجاوز هذه التحديات، أوصى الخبراء بضرورة تحسين وصول رواد الأعمال إلى التمويل عبر دعم رأس المال الاستثماري، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية التي تعيق تأسيس الشركات الجديدة.

كما دعت التوصيات إلى تعزيز تعليم ريادة الأعمال، خاصة في مرحلة ما بعد التعليم المدرسي، واستغلال فرص التحول الرقمي لتعزيز استخدام الأدوات الرقمية في عمليات البيع والتسويق مقارنة بالدول الأخرى.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى