ديب سيك..نموذج صيني للذكاء الاصطناعي يثير قلق وادي السيليكون

شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في شعبية نموذج جديد للذكاء الاصطناعي طورته شركة “ديب سيك” الصينية، والتي نجحت في إثبات قدرتها على التنافس مع تطبيقات رائدة مثل “شات جي بي تي” من “أوبن إيه آي”.
هذا النموذج المجاني والمتقدم أثار مخاوف واسعة في قطاع التكنولوجيا، خاصة بين المستثمرين الذين بدأوا يشعرون بتهديد حقيقي لهيمنة الشركات الأمريكية على هذا المجال.
تأسست “ديب سيك” عام 2023 على يد “ليانج وينفينج”، مدير صندوق التحوط “هاي فلاير”، الذي استثمر في قطاع الذكاء الاصطناعي. استندت الشركة على نهج تطوير النماذج مفتوحة المصدر، واستفادت من التمويل الكبير الذي وفره لها الصندوق، مما منحها درجة كبيرة من الاستقلالية في عملها.
يتكون فريق “ديب سيك” من شباب مبدعين ومتخصصين في التكنولوجيا، تخرجوا من أرقى الجامعات الصينية. تركز الشركة على اختيار الأفراد ذوي المهارات التقنية العالية، مع إعطاء الأولوية للمبدعين على أصحاب الخبرات الطويلة.
كما تضم الشركة أفرادًا من تخصصات متنوعة لتدريب النماذج بشكل يشمل تقديم إجابات ذات طابع أدبي، ما يعزز من قدرة النماذج على توليد استجابات متميزة.
رغم كونها شركة ناشئة، أصدرت “ديب سيك” حتى الآن ستة نماذج موسعة لمعالجة اللغات بدءًا من نوفمبر 2023، وطرحت أكوادها البرمجية بشكل مجاني للمطورين. وهذا التوجه أسهم في نشوب حرب سعرية بين شركات الذكاء الاصطناعي الصينية.
أحدث إصداراتها، “ديب سيك في3″ و”ديب سيك آر1” التي أُطلقت في يناير 2025، شكلت تحديًا حقيقيًا للأسواق المالية العالمية.
تواجه شركات الذكاء الاصطناعي عادةً تحديات كبيرة من حيث البنية التحتية، حيث تحتاج إلى حواسيب فائقة تحتوي على ما يصل إلى 16 ألف رقاقة متقدمة من “إنفيديا” لتدريب النماذج.
لكن مهندسو “ديب سيك” نجحوا في تطوير نماذجهم باستخدام فقط ألفي رقاقة، مع الحفاظ على جودة عالية تمكنها من الإجابة عن الأسئلة، حل المشكلات المنطقية، وكتابة الأكواد البرمجية دون تدخل بشري، وبجودة تعادل المنتجات المنافسة التي تعتمد على تقنيات متقدمة.
تكلفة تطوير النموذج الأخير لشركة “ديب سيك” بلغت حوالي 6 ملايين دولار، وهو مبلغ أقل بعشر مرات من تكلفة تطوير نماذج مماثلة من شركات مثل “ميتا” الأمريكية. علاوة على ذلك، فإن “ديب سيك” توفر تقنياتها مجانًا للجميع، مما يسهل الوصول إلى الأكواد البرمجية الخاصة بها للمطورين حول العالم.
تتميز نماذج “ديب سيك” بقدرتها على مراجعة المنطق الذي استندت إليه في توليد الإجابات قبل عرضها على المستخدم، وهي ميزة لا تتوفر في معظم النماذج الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الشركة كمية أقل من البيانات أثناء التدريب، مما يقلل من تكلفة العمليات التشغيلية ويزيد من كفاءة النماذج.
تعتمد نماذج “ديب سيك” على آلية “التعلم المُعزز”، التي تسمح لها بالتعلم من خلال التجارب والتفاعل مع البيئة المحيطة. يتمكن النموذج من تطوير نفسه من خلال ردود فعل المستخدمين وتقييماتهم، على عكس النماذج الأخرى التي تعتمد على إشراف بشري مستمر.
و على الرغم من القيود الأمريكية المفروضة على تصدير رقائق “إنفيديا” المتطورة، استطاعت “ديب سيك” تجاوز هذه التحديات بفضل تخصيص صندوق “هاي فلاير” كامل أرباحه لشراء الآلاف من هذه الرقائق منذ عام 2021، وهو ما مكنها من تطوير نماذجها الأولى دون الحاجة إلى التقيد بالمعوقات الغربية.
و نجحت “ديب سيك” في تطوير تطبيق “إيه آي أسيستنت” الذي تفوق على “شات جي بي تي”، ليصبح التطبيق المجاني الأعلى تصنيفًا في متجر تطبيقات “آبل” في أمريكا.
هذا الإنجاز أثار قلقًا كبيرًا في وادي السيليكون بشأن فقدان أمريكا هيمنتها على قطاع الذكاء الاصطناعي لصالح الصين.
و اعتمدت “ديب سيك” منذ تأسيسها على تقنيات مفتوحة المصدر وقدرات فريقها التكنولوجي المتميز، مما جعلها شركة رائدة في تطوير نماذج ذكاء اصطناعي عالية الكفاءة.
و أثبتت الشركة قدرة الشركات الصينية على التنافس في هذا المجال رغم القيود الغربية، وأظهرت أن الابتكار يمكن أن يتغلب على المعوقات التجارية والسياسية، ما يهدد هيمنة الشركات الأمريكية في سوق الذكاء الاصطناعي.