دراسة تطلق صفارة الإنذار: أنظمة التقاعد المغربية تحتاج إصلاحًا عاجلاً قبل فوات الأوان

تشهد أنظمة التقاعد بالمغرب أزمة متفاقمة مع تزايد الحديث حول الحاجة الملحة لإصلاحها، حيث كشفت دراسة صادرة في يوليوز 2025 عن وجود تحديات مالية كبيرة تهدد استدامة صناديق التقاعد التي تبلغ قيمتها أكثر من 300 مليار درهم.
وتسلط الدراسة الضوء بشكل خاص على الصعوبات التي تواجه إدارة هذه الأموال الضخمة وضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المستقبلية.
حملت الدراسة عنوان “تعميم التغطية التقاعدية بالمغرب: تقييم التحديات والقيود وآفاق التطور”، وأعدها فريق من الباحثين ينتمون إلى جامعات وطنية مرموقة، منهم أسماء الأنصاري ومريم ليواعدين من جامعة ابن طفيل، وسعيد حنشاني ومحمد عمراني من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات.
كشفت النتائج أن إجمالي الاحتياطيات المالية لثلاثة أنظمة تقاعد رئيسية (الصندوق المغربي للتقاعد – CMR، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي – CNSS، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد – RCAR) وصل إلى نحو 254.7 مليار درهم في عام 2022، مع تركيز ما يقارب 42.6% من هذه الأموال في نظام RCAR.
على الرغم من ضخامة الاحتياطيات، تظهر أرقام الاشتراكات والمدفوعات وجود عجز تقني مستمر، إذ بلغت الاشتراكات في 2022 نحو 63.9 مليار درهم، في حين تجاوزت المدفوعات 70.5 مليار درهم.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام CMR يعاني من هذا العجز منذ 2015، فيما من المتوقع أن تلحقه أنظمة CNSS وRCAR عام 2023.
تزداد الأزمة تعقيدًا مع ارتفاع الالتزامات غير المغطاة، أو ما يعرف بالدين الضمني، الذي بلغ حوالي 898 مليار درهم في 2022، وهو ما يمثل ما يقرب من 69% من الناتج المحلي الإجمالي المغربي.
ويتركز العبء الأكبر على نظام CNSS الذي يحمل وحده حوالي 573 مليار درهم من هذا الدين، أي ما يعادل 63.8% من الإجمالي.
و تثير الدراسة مخاوف جدية حول طرق إدارة أموال الاحتياطي، التي تعتمد أساسًا على نظام “التقسيم الممول جزئيًا بالاحتياطيات”، حيث يُموّل جزء من المعاشات من الاشتراكات الجارية، والجزء الآخر من الاحتياطيات.
ومع ذلك، فإن أداء إدارة المحافظ الاستثمارية يفتقر إلى احتساب العديد من المخاطر الرئيسية، مثل مخاطر التخلف عن السداد، والتقييم، والسيولة، ومخاطر الطرف المقابل، بالإضافة إلى تلك المرتبطة بتفويض إدارة الأموال إلى شركات خارجية.
علاوة على ذلك، لا توجد آليات واضحة لمواجهة الصدمات الكبيرة المفاجئة كالكوارث الطبيعية أو الأزمات المالية والاقتصادية.
تؤكد الدراسة على أهمية إجراء إصلاح شامل ومستعجل لنظام التقاعد المغربي لضمان استدامته المالية وتقليل الضغط على ميزانية الدولة.
وينصح الباحثون بإعادة تقييم شاملة لطرق إدارة أموال الاحتياطيات، وربما إعادة تصميم آليات التمويل المعمول بها حاليًا، إذ لا يقتصر التحدي على تحصيل الاشتراكات وصرف المعاشات فقط، بل يمتد إلى ضرورة استثمار الأموال بكفاءة وشفافية تضمن حقوق المتقاعدين الحاليين والمستقبليين.
وأبرزت الدراسة وجود تفاوت كبير في متوسط المعاشات الشهرية بين الأنظمة، حيث بلغ متوسط معاش نظام CMR حوالي 8208 دراهم في 2022، وهو الأعلى، بينما كان متوسط معاش CNSS الأدنى بواقع 2156 درهمًا، وهو مبلغ يقل عن الحد الأدنى للأجور.
ويرجع هذا التفاوت إلى عوامل متعددة تشمل ضعف بنية التوظيف والأجور المصرح بها في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام، إضافة إلى وجود سقف في نظام CNSS لا يسمح بتجاوز معاش 4200 درهم، بينما لا يفرض نظام CMR مثل هذا الحد