Bitget Banner
الاقتصادية

خفض قيمة العملة..سلاح ذو حدين في معركة النمو الاقتصادي

عندما تلجأ دولة إلى خفض قيمة عملتها الرسمية، فإنها تخطو إلى مسرح اقتصادي معقد، حيث تتقاطع فيه فرص تحفيز الصادرات وتنشيط النمو مع مخاطر تضخم الأسعار واضطراب الأسواق المالية.

فهل يعد خفض قيمة العملة خطوة فعّالة أم أنه قد يحمل آثارًا سلبية قد تضر بالاقتصاد على المدى الطويل؟

في هذا التقرير، نستعرض بشكل معمق مزايا وعيوب خفض قيمة العملة من خلال تحليل ثلاث تجارب بارزة: تجربة بريطانيا خلال أزمات 1992 و2008، وتجربة روسيا أثناء أزمة 2014.

خفض قيمة العملة (Devaluation) هو إجراء تتخذه الدول التي تعتمد أنظمة سعر صرف ثابت أو مقيد، يتمثل في تقليل السعر الرسمي للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، مما يجعل الصادرات أرخص وأكفأ في الأسواق الدولية، لكنه يرفع كلفة الواردات والسفر للخارج.

الإيجابيات المحتملة لخفض العملة

تعزيز الصادرات: انخفاض قيمة العملة يجعل السلع والخدمات المحلية أكثر تنافسية في السوق العالمي، مما يدعم القطاعات التصديرية ويوفر فرص عمل جديدة.

تحسين الميزان التجاري: بفضل زيادة الصادرات وانخفاض الواردات الناتج عن تراجع القوة الشرائية المحلية، يتحسن العجز التجاري، وهو أمر حيوي للدول التي تعاني من عجز مزمن في الحساب الجاري.

تنشيط النمو الاقتصادي: زيادة الطلب على المنتجات المحلية، سواء داخليًا أو خارجيًا، بفضل انخفاض أسعارها النسبية، يؤدي إلى انتعاش النشاط الاقتصادي.

السلبيات والتداعيات المحتملة

ارتفاع التضخم: يرفع خفض قيمة العملة تكلفة الواردات، لا سيما السلع الأساسية والمواد الخام، مما يرفع الأسعار المحلية ويقلص القدرة الشرائية للمستهلكين.

انعدام الثقة وتراجع الاستثمار الأجنبي: خفض قيمة العملة بشكل مفاجئ أو مفرط قد يثير مخاوف المستثمرين الأجانب، ما يدفعهم لسحب أموالهم ويزيد من تقلبات السوق.

تزايد أعباء الديون الأجنبية: يؤدي الانخفاض في قيمة العملة المحلية إلى زيادة عبء سداد الديون المقترضة بالعملات الأجنبية، سواء على الحكومات أو الأفراد.

ضعف الحوافز الإنتاجية: الاعتماد المفرط على خفض العملة قد يجعل الشركات تفضل استغلال انخفاض التكلفة بدلاً من تطوير الابتكار وخفض التكاليف، ما يضر بالإنتاجية على المدى البعيد.

عوامل تحدد نجاح خفض قيمة العملة

الوضع الاقتصادي الكلي: في أوقات الركود قد يكون خفض العملة محفزًا للتعافي، بينما في فترات الازدهار يمكن أن يزيد من الضغوط التضخمية.

مرونة الطلب على الصادرات: إذا كان الطلب على الصادرات غير مرن، قد تتأخر أو تقل فوائد خفض العملة.

هيكل الاقتصاد: الاقتصادات ذات القاعدة الصناعية والتصديرية القوية تستفيد أكثر من خفض قيمة العملة مقارنة بالاقتصادات الريعية أو المعتمدة على الاستهلاك.

 كيف تعاملت 3 دول مع خفض عملاتها؟

1. المملكة المتحدة – الأزمة المالية 2008/2009

– شهد الجنيه الإسترليني انخفاضًا حادًا بنحو 20% مقابل اليورو، في محاولة لاحتواء تداعيات الأزمة المالية العالمية.

– ساعد هذا الخفض في دعم الصادرات، لكنه لم يكن كافيًا لمنع الاقتصاد البريطاني من الانزلاق إلى الركود، مما يشير إلى أن خفض قيمة العملة وحده لا يكفي ما لم تصاحبه إصلاحات هيكلية شاملة.

2. روسيا – أزمة 2014: انخفاض الروبل في ظل العقوبات وتراجع أسعار النفط

– في عام 2014، تضافرت ثلاثة عوامل حاسمة: انهيار أسعار النفط من 115 إلى 60 دولارًا للبرميل، والعقوبات الغربية المفروضة بسبب الأزمة الأوكرانية، وهشاشة البنية الصناعية وعدم تنوع الاقتصاد.

– ونتيجة لذلك، انهار الروبل بنسبة 50%، مما أدى إلى تضخم تجاوز 9%، وركود اقتصادي مؤلم.

– وعلى الرغم من أن روسيا امتلكت احتياطيات ضخمة تتجاوز 400 مليار دولار وفائضًا تجاريًا قويًا، فإن ضعف ثقة المستثمرين ونقص التنويع الاقتصادي قللا من فعّالية خفض قيمة العملة.

– ومع ذلك، ساهم هذا الوضع في تحفيز الصناعة المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات، وهو ما اعتُبر لاحقًا “فرصة قسرية” لإعادة هيكلة الاقتصاد.

3. المملكة المتحدة – الأربعاء الأسود والخروج من آلية سعر الصرف الأوروبية عام 1992

– في محاولة للانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة، التزمت بريطانيا بسعر صرف ثابت ضمن “آلية سعر الصرف الأوروبية”.

– لكن ارتفاع معدلات التضخم والركود الاقتصادي دفعا المستثمرين إلى المراهنة على فشل هذه السياسة.

– وأدى الهجوم المضاربي، الذي قاده الملياردير جورج سوروس، إلى استنزاف احتياطيات بريطانيا من العملات الأجنبية، واضطرت الحكومة إلى رفع أسعار الفائدة إلى 15% في محاولة يائسة للدفاع عن الجنيه الإسترليني.

– وفي نهاية المطاف، استسلمت لندن وخرجت من الآلية، مما تسبب في خسائر تقدر بنحو 3.4 مليار جنيه إسترليني، لكنه مهد الطريق لاحقًا لتعافٍ اقتصادي سريع.

 

a2591086 9977 4dee 8df9 4569af5cbd63 Detafour

خفض قيمة العملة أداة اقتصادية يمكن أن تحقق نتائج إيجابية إذا استخدمت بحكمة وفي الوقت المناسب، مع وجود بنى اقتصادية داعمة. ولكن سوء استخدامها قد يؤدي إلى أزمات مالية وفقدان الثقة كما حصل في تجارب روسيا وبريطانيا.

وفي ضوء ذلك، يبقى السؤال: هل يجب على الدول النامية الاعتماد على خفض قيمة العملة لتحفيز النمو؟ أم أن الطريق الأفضل يكمن في تنفيذ إصلاحات هيكلية تعزز الإنتاجية والتنمية المستدامة بعيدًا عن التلاعب بأسعار الصرف؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى