حملة ضريبية تهز كبرى الشركات والتحقيقات تكشف عن سوق بـ 60 مليار درهم للفواتير المزورة

تلقت مئات الشركات صدمة غير متوقعة بعد أن رفضت المصالح الجهوية للمراقبة التابعة للمديرية العامة للضرائب (DGI) طلبات لخصم “نفقات مشبوهة” ضمن التكاليف العامة المصرح بها في إقراراتها الجبائية.
وتتركز أغلب هذه الشركات المتضررة في الأقطاب الاقتصادية الرئيسية بالمملكة، وهي الدار البيضاء، طنجة، والرباط.
كشفت مصادر مطلعة أن فرق التدقيق الضريبي رصدت “مؤشرات اشتباه خطيرة” ضمن التصريحات الجبائية للشركات المعنية. وتمثلت أبرز هذه المؤشرات في تكرار استخدام عبارات فضفاضة وغير محددة، مثل “خدمات متنوعة” (Prestations diverses) و”مصاريف خدمات” (Frais de service)، مع غياب وصف دقيق للخدمات أو المشتريات المفوترة، والأهم، انعدام الصلة المباشرة بين جزء كبير من هذه المصاريف والنشاط الفعلي للوحدات الاقتصادية المدققة.
هذا الغياب للشفافية دفع بالمراقبين إلى الكشف عن وقائع تلاعب واسعة بتكاليف قابلة للخصم (Charges déductibles).
وتم ذلك عبر عجز الشركات عن تقديم التبريرات الكافية لنفقات اتضح أن بعضها “لا وجود له على أرض الواقع”، وفقاً للمصادر.
وقد استغل المتلاعبون “رسائل مهام” (Lettres des missions) وفواتير صورية لخدمات وسلع بهدف تضليل مصالح المراقبة ومحاولة تقليص المستحقات الضريبية المفروضة عليهم بشكل غير قانوني.
وفي محاولة لمراوغة المتابعة القضائية والمراجعة الضريبية بسبب ترويج واستغلال فواتير مزورة، لجأت بعض الشركات إلى التمسك بـ “الحق في الخطأ” (Droit à l’erreur)، المنصوص عليه في المادة 221 مكررة من المدونة العامة للضرائب.
هذا الحق يتيح لهم تلقائياً تصحيح اختلالات إقراراتهم عبر الإدلاء بإقرارات تصحيحية إلكترونياً، مع الأداء التلقائي للواجبات المستحقة، في محاولة لتجنب العواقب الأشد صرامة.
التحقيقات كشفت عن تكرار استغلال فواتير تحمل أسماء تجارية لشركات محددة لتبرير نفقات مختلفة لا تندرج ضمن نشاط الجهات المصدرة للفواتير، وتم التثبت من ذلك بالاعتماد على الرقم التعريفي الموحد للضرائب (ICE).
الأكثر إثارة للقلق هو تعقب المراقبين لمسار الشركات المنتجة للفواتير المزورة. عمليات التدقيق توصلت إلى أن أغلب هذه الشركات تتمركز في “التوطين المحاسباتي” (Domiciliation) بمكاتب محاسبة في المدن الكبرى، خاصة الدار البيضاء.
هذه الشركات “الوهمية” أنتجت آلاف الفواتير بمبالغ ضخمة، حيث تجاوزت قيمة فواتير شركة واحدة خمسة ملايين درهم (500 مليون سنتيم) خلال عام واحد فقط. ولتجنب إثارة الشكوك، تضمنت أغلب الفواتير مبالغ صغيرة.
وكشف التدقيق أن الشركات المصدرة للفواتير تتوزع بين مقاولات مهيكلة “غير نشطة”، وأخرى هي في الأصل موضوع مساطر للتصفية القضائية.
تعكس هذه الحملة التحذيرات السابقة للمدير العام للضرائب، يونس إدريسي قيطوني، الذي كشف في تصريحات سابقة عن حجم “صادم” لسوق الفواتير المزورة في المغرب، مقدراً قيمتها الإجمالية بحوالي 60 مليار درهم.
وأوضح قيطوني أن إدارة الضرائب رصدت وجود حوالي 300 ألف مقاولة غير نشطة لا تمارس أي عمل فعلي، وإنما يقتصر نشاطها على “بيع الفواتير”.
كما أكد أن مواجهة هذا التحدي ليست مسؤولية إدارة الضرائب وحدها، بل هي مسؤولية جماعية تشمل الشركات المهيكلة التي تتعامل مع القطاع غير المهيكل، محذراً من أن الفواتير المزورة باتت متفشية حتى ضمن تصاريح المقاولات المهيكلة.




