الأسهمالاقتصادية

حركة الأسهم المكثفة: استراتيجية استثمار أم فخ للمضاربين؟

في عالم المال، ليست كل الأرقام تعكس الواقع. فقد يشهد سهم ما نشاطًا تداوليًا هائلًا رغم استقرار أدائه المالي، في حين تبقى شركات قوية أقل جذبًا للتداولات اليومية.

حجم التداول يُفترض أن يعكس ثقة المستثمرين، لكنه في الواقع نتيجة تداخل عوامل متعددة، تتراوح بين المضاربات، والرغبات المستقبلية، والتداولات الآلية عالية السرعة.

ارتفاع حجم التداول لا يعني دائمًا أن الشركة تحقق نموًا ماليًا استثنائيًا. على سبيل المثال، شهدت شركة “إنفيديا” متوسط تداول يومي يبلغ نحو 190 مليون سهم، لكنه انخفض إلى 120 مليون خلال الأسبوع الأول من غشت ، على الرغم من صعود السهم مدفوعًا بتوقعات حول اتفاقات محتملة بين الصين والولايات المتحدة في قطاع أشباه الموصلات.

ويعكس هذا التباين أن الاهتمام الكبير بأسهم الشركة قائم على التفاؤل بمستقبلها في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، لا على تغييرات فعلية في أدائها اليومي.

نمو أرباح “إنفيديا” بنسبة 81.6% خلال العام المالي المنتهي في يونيو 2025 دفع المشترين للانخراط بقوة، في حين يبيع بعض المضاربين في فترات استقرار السعر لجني الأرباح.

بالمقابل، كشفت “تسلا” عن انخفاض صافي أرباحها بأكثر من 53% في الربع الثاني من 2025، ما أثار تداولات مكثفة قائمة على القلق والمضاربات لاستغلال التقلبات المؤقتة في السوق.

مضاعف ربحية “إنفيديا” بلغ 191 في أغسطس 2025، ما يجعلها محط اهتمام المضاربين الذين يراهنون على مشتري يدفع السعر المرتفع. بالمقابل، رغم أن قيمتها السوقية تزيد بأربعة أضعاف عن “تسلا”، فإن مضاعف ربحيتها أقل من ثلث مضاعف ربحية الأخيرة، وحجم تداول “تسلا” أكبر بكثير.

هذا يوضح أن المضاربات تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز حجم التداول، خصوصًا مع رهانات على مستقبل الشركات في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، رغم أن هذه القطاعات تمثل نسبة صغيرة من إيراداتها.

في المقابل، شركة مثل “أبل” تتمتع باستقرار مالي وأداء متوازن، بمتوسط تداول يومي منخفض نسبيًا يبلغ 56 مليون سهم، ما يقلل الاعتماد على المضاربات ويدفع إلى تداول أكثر هدوءًا.

و في الشركات الصغيرة، غالبًا ما يظهر التداول المكثف بسبب الشائعات والأخبار، وليس الأداء المالي.

على سبيل المثال، شهدت شركة “أوبن تكنولوجيز” تداول 1.88 مليار سهم في يوليو، مقابل متوسط شهري 62 مليون سهم، أي زيادة تجاوزت 2900%، نتيجة مضاربات كبيرة رغم إعلان الشركة عن خسائر في الربع الثاني من 2025. هذا يعكس الطبيعة المضاربية لتداول الأسهم الصغيرة، مقارنة بالشركات الكبرى.

حجم التداول لا يقتصر على أداء الشركات الفردية، بل يمكن أن يرتفع على مستوى السوق ككل نتيجة بيانات اقتصادية أو أحداث مؤثرة.

وفق دراسة “جي بي مورغان”، يشكل المستثمرون السلبيون مثل صناديق المؤشرات وحسابات التداول الكمي نحو 60% من إجمالي حجم التداول، ما يعني أن جزءًا كبيرًا من النشاط اليومي يتم عبر برامج آلية تتفاعل مع بيانات السوق بسرعة ميكروثانية، دون تدخل بشري أو تحليل أساسي.

يتضح أن حجم التداول في أسواق الأسهم اليوم لا يعكس أداء الشركات دائمًا، بل يتأثر بعوامل متعددة تشمل المضاربات، والتوقعات المستقبلية، والتداول الآلي، والتغيرات الاقتصادية العامة.

وللمستثمرين، يصبح فهم هذه الديناميكيات أمرًا ضروريًا لتقييم فرص السوق والمخاطر المحتملة، بدلًا من الاعتماد على الأرقام وحدها كمؤشر على صحة الشركات.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى