الأسهمالاقتصادية

تقسيم الأسهم..استراتيجية نفسية ومالية لتوسيع النفوذ وجذب المستثمرين

لم يعد تقسيم الأسهم مجرد خطوة فنية في دفاتر الشركات، بل أصبح أداة استراتيجية تلجأ إليها المؤسسات الكبرى للتأثير في سلوك المستثمرين، وتوسيع قاعدة المساهمين، وتعزيز الشعور بالانتماء بين الموظفين.

في عالم تتزايد فيه أسعار بعض الأسهم بشكل يجعلها بعيدة المنال عن المستثمرين الأفراد، يأتي تقسيم السهم كوسيلة لكسر هذا الحاجز النفسي، وفتح الباب أمام جمهور أوسع لدخول السوق.

حين ترتفع القيمة الاسمية للسهم، يصبح من الصعب على المستثمرين ذوي رؤوس الأموال المحدودة الدخول في السوق أو تنويع محافظهم.

تقسيم الأسهم يحل هذه المشكلة؛ إذ يسمح بشراء عدد أكبر من الأسهم بسعر أقل. هذا لا يغيّر من القيمة السوقية للشركة، لكنه يخلق شعورًا بالمرونة والقدرة على التحكم في قرارات البيع والشراء.

كما أن زيادة عدد المتداولين بعد التقسيم تُقلل من تأثير تحركات كبار المستثمرين على سعر السهم، وتمنح الشركة مجالًا أوسع لاتخاذ قرارات استراتيجية دون ضغوط مباشرة من مساهمين كبار.

شركة “شيبوتلي” – المشغلة لسلسلة مطاعم مكسيكية تضم نحو 3800 فرع – قررت في يونيو 2024 تقسيم سهمها بنسبة 1 إلى 50، لينخفض سعر السهم من 3283 دولارًا إلى حوالي 65 دولارًا.

هذه الخطوة، الأولى من نوعها في تاريخ الشركة، جاءت بهدف تسهيل تملك السهم من قبل المستثمرين الأفراد والموظفين، حسب تصريح المدير المالي “جاك هارتونغ”.

وقد انعكس هذا القرار إيجابًا في البداية؛ إذ ارتفع سعر السهم 3.5% في الأسبوع الأول بعد التقسيم. كما أعلنت الشركة عن توزيع أسهم مجانية لأكثر من 4000 موظف، تعزيزًا للانتماء الوظيفي وتحفيز الأداء.

لكن التأثير لم يكن طويل الأمد. فبعد عام من التقسيم، تراجع السهم بنسبة 13%، نتيجة إعادة تقييم أساسيات الشركة، وارتفاع مضاعف ربحيتها إلى 52، مقارنة بـ26 لماكدونالدز و28 لكوكاكولا، ما أثار قلق المستثمرين بشأن تقييمها المبالغ فيه.

في منتصف عام 2022، أعلنت أمازون عن تقسيم سهمها بنسبة 1 إلى 20، ليهبط من أكثر من 2500 دولار إلى حوالي 125 دولارًا، في خطوة وصفت بأنها تحول رمزي من كون الشركة “لكل شيء” إلى “لكل شخص”.

المحلل المالي “مايكل باشتر” يرى أن هذا القرار ساهم في إزالة الحواجز النفسية أمام المستثمرين الأفراد، خاصة أولئك الذين لا يملكون أكثر من 10 آلاف دولار، والذين يترددون في شراء عدد محدود من الأسهم مرتفعة السعر.

وقد ارتفع سعر سهم أمازون بنسبة 80% بعد عامين من التقسيم، مدفوعًا بتحسن قوي في النتائج المالية، بما في ذلك أرباح قاربت 60 مليار دولار في 2024. لكن رغم أن النتائج الأساسية هي المحرك الأساسي، إلا أن التقسيم لعب دورًا نفسيًا في جذب قاعدة أوسع من المستثمرين.

شهد سهم “أبل” عدة عمليات تقسيم عبر تاريخه، أبرزها في غشت 2020 حين تم تقسيم السهم بنسبة 4 إلى 1، ما خفّض السعر من 435 إلى 106 دولارات، وساهم في زيادة حجم التداول اليومي، ورفع جاذبية السهم لدى شريحة واسعة من الأفراد.

شركات مثل “ألفابت”، “تسلا”، “إنفيديا”، و”وول مارت” سلكت المسار ذاته، مدفوعة برغبة في توسيع قاعدة المساهمين وتحفيز السيولة، حتى لو لم يكن التقسيم يغيّر شيئًا في القيمة الأساسية.

تؤكد المستشارة المالية “أماندا هولدن” أن تقسيم الأسهم يظل فاعلًا نفسيًا، حتى في عصر المنصات التي تتيح الاستثمار الجزئي. فالسهم ذو السعر المنخفض يبدو دائمًا أكثر جاذبية للمستثمر المبتدئ، حتى وإن لم يكن بالضرورة أفضل قيمة استثمارية.

رغم المزايا، قد يؤدي التقسيم إلى تقلبات أكبر في سعر السهم، مع دخول مضاربين يبحثون عن مكاسب سريعة. وقد يتحول بعض الأسهم إلى ما يُعرف بـ”أسهم الميم” إذا لم يكن التقسيم مدعومًا بأساسيات قوية ونمو مستدام.

بعكس شركات أخرى، ترفض “بيركشاير هاثاواي” اللجوء لتقسيم أسهمها من الفئة “A”، التي تُتداول بأكثر من 700 ألف دولار. ولأغراض التوسع، أصدرت أسهم “B” الأقل سعرًا وحقوق تصويت أضعف، دون المساس بفلسفة الاستثمار طويل الأجل التي تتبناها الشركة.

الهدف من هذا النموذج هو جذب مستثمرين ملتزمين وواعين لا يبحثون عن أرباح سريعة، بل يشاركون رؤية الشركة للنمو على المدى البعيد.

تقسيم الأسهم ليس مجرد إجراء تجميلي، بل استراتيجية متعددة الأوجه تهدف إلى تعزيز جاذبية السهم، توسيع قاعدة المستثمرين، وتحفيز الموظفين. ورغم أن تأثيره لا يغيّر من القيمة السوقية الفعلية، فإن أثره النفسي والوظيفي قد يكون بالغًا في تشكيل صورة الشركة لدى المستثمرين والسوق.

ومع تطور أدوات التداول، قد يزداد الجدل مستقبلًا حول جدوى هذه الخطوة، لكن إلى الآن، لا تزال الشركات الكبرى ترى فيه مفتاحًا مهمًا للتوسع والانتشار.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى