الاقتصادية

ترامب والفيدرالي…معركة على استقلالية الاقتصاد الأمريكي

لم يعد الاحتياطي الفيدرالي مجرد مؤسسة مالية مستقلة، بل أصبح ساحة صراع سياسي حاد بين البيت الأبيض والرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.

ففي الوقت الذي يراقب فيه العالم التضخم وأسعار الفائدة، اتخذ “ترامب” خطوات غير مسبوقة لإعادة تشكيل مجلس محافظي الفيدرالي، محاولةً توجيه سياسات البنك بما يخدم رؤيته، وهو ما يهدد الاستقرار الاقتصادي الأمريكي والمكانة العالمية للدولار.

يُنظر للاحتياطي الفيدرالي على أنه الحارس الأساسي لاستقرار الاقتصاد الأمريكي وكبح التضخم، وأي محاولة للضغط عليه لا تهدد استقلاليته فحسب، بل تمتد تداعياتها لتؤثر على الأسواق المالية العالمية.

وقد وصلت هذه التوترات إلى ذروتها بعد إقالة “ليزا كوك”، عضوة مجلس محافظي البنك المعينة من الرئيس “بايدن”، ما يفتح الباب أمام تعيين بديل يميل إلى سياسات “ترامب”، ويضاعف الضغط لخفض الفائدة بشكل عاجل.

من خلال هذا التغيير، يمكن لـ”ترامب” أن يضمن مزيدًا من الأصوات داخل مجلس محافظي الفيدرالي المكون من سبعة أعضاء، ليصبح قادرًا على توجيه قرارات الفائدة بما يتوافق مع أهدافه.

ويأتي ذلك بعد استقالة عضوة أخرى، “أدريانا كوغلر”، ورشح الرئيس بالفعل “ستيفن ميران” لتولي المنصب، في انتظار موافقة مجلس الشيوخ.

النقطة

التوضيح

مهمة الفيدرالي

تتمثل المهمة الرئيسية للاحتياطي الفيدرالي في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وهو ما يعني ضمان انخفاض البطالة وتحقيق استقرار الأسعار، وقد يتطلب ذلك تقديم بعض التنازلات قصيرة المدى، لذلك فإن المستويات الاستثنائية التي يتمتع بها من الاستقلالية تمكنه من اتخاذ القرارات المناسبة.

الحماية من النفوذ السياسي

تحمي استقلالية البنك من النفوذ السياسي غير المبرر، مثل الضغوط لخفض الفائدة قبل الانتخابات، والتي قد تحقق مكاسب سياسية قصيرة المدى لكن أضرارًا اقتصادية طويلة الأجل، لذلك فإن مخاطر تقويض الاستقلالية ليست افتراضية على الإطلاق، لأن بالفعل واجهت دول عديدة أزمات اقتصادية نتيجة للتدخل السياسي المباشر في السياسة النقدية.

إلى جانب أن الاستقلالية تعزز ثقة السوق في قرارات البنك، والقدرة على اتخاذ إجراءات صعبة لكن ضرورية حتى لو لا تحظى بشعبية.

حماية تكاليف الاقتراض

تهديد استقلالية البنك المركزي يعني رفع تكاليف الاقتراض بالنسبة للحكومة الأمريكية، فيما سيكون له تبعات سلبية عالمية، نظرًا لاستخدامها كمعيار لتحديد عوائد الأصول حول العالم.

استقرار التضخم

تشير دراسات إلى أن التضخم يكون أكثر استقرارًا عندما يكون البنك المركزي مستقرًا، وذلك نظرًا للثقة في قدرة البنك على ضبط الأسعار، وبالتالي لا يرفع المواطنون والمستثمرين مطالبهم التي تتعلق بالأجور والأسعار والعوائد، لذلك بدأ المستثمرون يطالبون بعلاوة أعلى لحيازة سندات الحكومة الأمريكية عند إعلان “ترامب” إقالة “كوك”.

طباعة النقود

من العوامل المهمة أيضًا في مسألة استقلالية البنوك المركزية هو قدرتها على طباعة النقود خاصة في أوقات الأزمات، وهو ما ساعد رئيس المركزي الأوروبي السابق “ماريو دراجي” في عام 2012، بتهدئة تكهنات انهيار اليورو، وتعهد ببذل كل ما يلزم للحفاظ على قيمة العملة الأوروبية الموحدة.

تاريخيًا، احترم الرؤساء استقلالية الفيدرالي، حتى لو كانت قراراته ضد المصالح السياسية للحكومة، لكن عودة “ترامب” أعادت هذه العلاقة إلى دائرة المواجهة المباشرة مع “باول”، متهمًا إياه بإلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي.

رسمياً، يتمتع الفيدرالي باستقلالية تحديد الفائدة منذ عام 1951، لكنها ترسخت عمليًا في الثمانينيات حين رفع “بول فولكر” الفائدة بشكل حاد لوقف التضخم الناتج عن صدمات الطاقة وسوء إدارة النقد.

حول العالم، أثبتت الاستقلالية الرسمية للبنوك المركزية فعاليتها في السيطرة على التضخم بعد الجائحة خلال عامين إلى ثلاثة أعوام، بينما لا تزال بعض البنوك في الدول النامية، مثل الصين، تخضع لضغوط حكوماتها عند وضع السياسات النقدية.

وسط تهديد غير مسبوق .. ما خطورة زعزعة استقلالية الاحتياطي الفيدرالي؟

المحلل/الجهة

التوضيح

معهد السياسة الاقتصادية

سيطرة “ترامب” على الفيدرالي ستشير إلى صانعي القرار بأن الفائدة لن تحدد بعد الآن على أساس بيانات سليمة أو ظروف اقتصادية بل بناءً على أهواء الرئيس.

“بن برنانكي” رئيس سابق للفيدرالي

حذر في عام 2010، من أن التدخل السياسي في قرارات البنك قد يسبب دورات ازدهار وكساد مدمرة، ويجعل من الصعب السيطرة على التضخم.

“إليزابيث ويلكنز” المسؤولة بمكتب رئيس لجنة التجارة الفيدرالية في عهد كل من “أوباما” و”بايدن”

التدخل في استقلالية البنك سيجعل الأسواق أقل استقرارًا ويزيد من الضغوط التضخمية، ويضر بالطبقة العاملة ويضعف الاقتصاد ككل.

“فريدريك دوكروزيت” المسؤول لدى “بيكتيت” لإدارة الثروات

خلال الأزمات تحديدًا، تعد استقلالية ومصداقية البنك المركزي أثمن الأصول، وسيكون الأمر بالغ الخطورة حال أصدر “ترامب” أوامره إلى الاحتياطي الفيدرالي.

“ديفيد ويلكوكس” الخبير الاقتصادي لدى معهد “بيترسون”

سيسبب تدخل “ترامب” اهتزازات في الأسس التي تبنى عليها السياسة النقدية الأمريكية، وستشعر الأسواق المالية المحلية والعالمية بهذه الاختلالات.

“كريستين لاجارد” رئيسة المركزي الأوروبي

حذرت من أن الاقتصاد الأمريكي معرض لخطر عدم الاستقرار حال تم تقويض استقلالية الفيدرالي، موضحة أن ذلك سيجعل السياسة النقدية مختلة وظيفيًا مما يؤدي إلى اضطراب وعدم استقرار.

يؤكد مسؤولو إدارة “ترامب” أن الرئيس يمارس صلاحياته القانونية بإقالة “كوك” لأسباب وجيهة، مؤكدين أن المخاوف المتعلقة باستقلالية الفيدرالي مبالغ فيها.

ومع احتمال أن يبت القضاء في شرعية الإقالة، يبدو أن “ترامب” لن يتوقف عن البحث عن طرق لإعادة تشكيل المجلس بما يتوافق مع رؤيته، في محاولة لتوجيه سياسات البنك قبل انتهاء ولاية “باول” في مايو 2026.

يبقى التساؤل الأكبر: هل تستطيع هذه التحركات السياسية تقويض استقلالية البنك المركزي التي حافظت على ثبات الاقتصاد الأمريكي لعقود، أم ستواجه صمود المؤسسات الاقتصادية التقليدية أمام الضغوط الرئاسية؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى