ترامب والرسوم الجمركية…بين المكاسب السياسية والتحديات الاقتصادية

في ظل سعيه الحثيث لإعادة تشكيل التجارة الدولية بما يخدم المصالح الأمريكية، نجح الرئيس دونالد ترامب في ممارسة ضغوط مكثفة على عدد من الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وفيتنام.
هدفت هذه الضغوط إلى دفعهم لقبول فرض رسوم جمركية أعلى على صادراتهم إلى الولايات المتحدة، مقابل السماح لها بالدخول إلى السوق الأمريكية.
هذه الاستراتيجية التي جمعت بين التهديدات والمفاوضات أسفرت عن توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية المؤقتة، لكنها لم تخلُ من شكوك حول مدى استدامة هذه الإنجازات على المدى الطويل وتحقيقها للأهداف الحمائية التي رسمها ترامب.
الكثير من هذه الاتفاقيات لم تتضمن التفاصيل الدقيقة التي تحتاج إلى وقت طويل وربما سنوات من المفاوضات المعقدة لاستكمالها.
ما توصلت إليه الولايات المتحدة مع شركائها التجاريين |
||
الشريك التجاري |
|
التوضيح |
الاتحاد الأوروبي |
|
وافق الاتحاد -المؤلف من 27 دولة- على قبول تعريفات أمريكية بنسبة 15% على أغلب سلعه، وتعهد بشراء منتجات طاقة من الولايات المتحدة بقيمة 750 مليار دولار، وإجراء استثمارات جديدة قيمتها 600 مليار دولار حتى عام 2028. تشبه هذه الصفقة إطار عمل وليس صفقة تجارية شاملة، لأن تفاصيلها لا تزال غير واضحة. |
اليابان |
|
بعد اتفاق البلدين في يوليو، ستفرض تعريفات جمركية بنسبة 15% على الصادرات اليابانية للولايات المتحدة، انخفاضًا من الـ 25% التي هدد بها “ترامب” في السابق. |
المملكة المتحدة |
|
بناءً على الاتفاق المبدئي، تفرض تعريفات بنسبة 10% كحد أدنى على معظم واردات أمريكا من بريطانيا. |
فيتنام |
|
حسب الاتفاق المعلن أوائل هذا الشهر، ستفرض تعريفات بنسبة 20% على السلع الواردة من فيتنام، بزيادة على المعدل البالغ 10% المطبق حاليًا، لكنه أقل من نسبة 46% التي هدد “ترامب” بفرضها في أبريل. |
بقية الدول |
|
لكن أوضح “جولدمان ساكس” أن الشركاء التجاريين الذين يمثلون 56% من واردات الولايات المتحدة بما في ذلك كندا والمكسيك وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند لم يوقعوا بعد على اتفاقات أولية. |
وعلى سبيل المثال، الاتفاق مع اليابان عانى من تفسيرات متباينة بين الطرفين، خصوصًا في ملف الاستثمارات الضخمة التي تقدر قيمتها بنحو 550 مليار دولار، ما يعكس وجود نقاط خلاف كبيرة لا تزال قائمة.
مع اقتراب الموعد النهائي المحدد في الأول من أغسطس، تتزايد المخاوف من تصاعد الخلافات التجارية. إذ هدد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على واردات كندا إلى 35% في حال عدم التوصل لاتفاق بحلول الموعد المحدد، بينما تنتهي الهدنة مع الصين منتصف الشهر المقبل، مما قد يؤدي إلى رفع حاد في الرسوم على البضائع الصينية.
تشير هذه الاتفاقيات إلى أن التهديدات كانت أداة فعالة في فرض الإرادة الأمريكية على شركاء التجارة، مما يمثل انتصارات سياسية بارزة. إلا أن الجدال لا يزال قائمًا حول النجاح الاقتصادي لهذه السياسة. تدعو الإدارة الأمريكية إلى أن الرسوم الجمركية ستعزز الإنتاج المحلي وتخلق فرص عمل، وأن الأعباء الاقتصادية ستقع بشكل رئيسي على الحكومات والشركات الأجنبية.
و على النقيض، يرى العديد من الاقتصاديين أن الشركات الأمريكية هي التي تحملت معظم تكاليف هذه الرسوم حتى الآن، مع خطط لتحميل المستهلكين في الولايات المتحدة جزءًا من هذه التكاليف من خلال رفع الأسعار.
بعد التوترات التي أثارتها السياسات الحمائية في الأسواق المالية، بدأ السوق يتكيف مع واقع فرض أعلى معدلات للرسوم الجمركية منذ نحو تسعين عامًا.
هل يدفع المستهلكين في أمريكا ثمن انتصار “ترامب” في الحرب التجارية؟ |
||
المحلل/الجهة |
|
التوضيح |
محللو “مورجان ستانلي” |
|
يرون أن النتيجة الأكثر ترجيحًا هي تباطؤ النمو وارتفاع التضخم، وليس الركود، لأن في النهاية الرسوم المفروضة بنسبة 15% على واردات الاتحاد الأوروبي واليابان تمثل زيادة طفيفة عن نسبة الـ 10% التي بدأ “ترامب” بفرضها في أبريل خلال فترة المفاوضات. |
الخبيرة الاقتصادية “ماري لوفلي” من معهد “بيترسون” للاقتصاد الدولي |
|
حذرت بأن الشركات ستسعى جاهدة للتكيف مع عالم “ترامب” الجديد، لأنه نتيجة للاتفاقات التي تختلف من دولة لأخرى أصبح على الشركات الأمريكية تغيير استراتيجيتها للحصول على الإمدادات من جهات مختلفة، وهذا يمثل عبئا إداريا هائلا، ما يعيق الاقتصاد على المدى الطويل، لكن تأثير ذلك يظهر ببطء. |
“مارك زاندي” كبير الاقتصاديين لدى “موديز أناليتيكس” |
|
صرح بأن معدل التعريفة الجمركية الفعلي للولايات المتحدة ارتفع إلى 17.5% من حوالي 2.5% فقط في بداية العام عند تولي “ترامب” الرئاسة، مشيرًا إلى أن الضرر الاقتصادي الناجم عن ذلك سيتفاقم في الأشهر المقبلة. |
“ديان سوونك” كبيرة الاقتصاديين لدى “كيه بي إم جي” |
|
ترى أنه بينما يتوقع الكثيرون أن التأثير الاقتصادي للتعريفات الجمركية سيكون فوريًا، إلا أن الأبحاث الاقتصادية تشير إلى أن ظهور الآثار الكاملة للرسوم تستغرق من ستة إلى ثمانية عشر شهرًا، وأن الحرب التجارية التي شنها “ترامب” في ولايته الأولى مع الصين لم تسفر عن ضعف قطاع التصنيع إلا في العام التالي. |
و مع ذلك، يحذر الخبراء من أن هذه الرسوم ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف المستهلك، وستقيد قدرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، مما يضر بالكفاءة الاقتصادية على المدى البعيد.
في المجمل، قد تكون استراتيجية ترامب قد حققت مكاسب سياسية ملموسة وأجبرت العديد من الشركاء التجاريين على القبول بالرسوم الجمركية، لكن المستهلك الأمريكي قد يتحمل العبء الأكبر لهذه السياسات، سواء على المدى القصير أو الطويل.
كما يشكك الخبراء في قدرة هذه الاتفاقيات على خفض العجز التجاري للولايات المتحدة بشكل شامل، وهو الهدف الأساسي الذي كان يسعى إليه ترامب، وليس فقط تقليصه مع كل دولة بمفردها.