الهيمنة التكنولوجية..هل الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم “فقاعة الإنترنت” بتركيز أكثر خطورة؟

تشهد الأسواق المالية الأمريكية حالياً ظاهرة مالية مقلقة: تسجيل مؤشر “إس آند بي 500” قممًا تاريخية جديدة مدفوعة بشكل حصري تقريباً بعدد قليل من الشركات التكنولوجية العملاقة التي تقود ثورة الذكاء الاصطناعي.
هذا الصعود لا يرتكز على قاعدة اقتصادية واسعة، بل يعيد إلى الأذهان ذكريات “فقاعة الإنترنت” التي انفجرت في مارس 2000 وتسببت في انهيار المؤشر بنسبة قاربت 50%.
وبينما تستمد الأسواق نشوتها من الحماس التقني الجديد، يثير المشهد الحالي قلقاً عميقاً بين المحللين حول تكرار سيناريو الفقاعة، ولكن هذه المرة بوقود تقني مختلف وبمخاطر تركيز لم يسبق لها مثيل.
تتجلى قوة هذه الشركات، التي يطلق عليها غالباً “العظماء السبعة”، في الأرقام: فقد أظهرت تحليلات “نيد ديفيس للأبحاث” أن أكبر 10 أسهم في مؤشر “إس آند بي 500” تستحوذ على أكثر من 40% من القيمة السوقية الإجمالية للمؤشر.
لم يسجل هذا المستوى من التركيز المفرط منذ عام 1972، مما يعني أن أداء المؤشر أصبح معتمداً بشكل مبالغ فيه على مصير هذه الكيانات العشرة، وهو ما يزيد بشكل كبير من مخاطر التقلب لأي محفظة استثمارية تعتمد على المؤشر.
وكمثال واضح، تشكل هذه الأسهم العشرة بالإضافة إلى سهم واحد إضافي (بسبب فئتي أسهم ألفابت) ما نسبته 40.3% من صندوق “إس بي دي آر إس آند بي 500” الذي تبلغ أصوله 683 مليار دولار، وهو توزيع يقوض بشكل فعلي مبدأ التنويع الذي يفترض أن يوفره الاستثمار في 500 شركة.
ورغم هذه المخاطر، لا يمكن نكران أن هيمنة هذه الشركات مدعومة في جزء منها بنمو قوي في المبيعات، حيث تجاوزت معدلات نمو إيرادات الشركات ذات الوزن الأثقل بكثير المعدل المرجح للمؤشر ككل.
لكن القلق الأكبر لا ينبع فقط من التركيز، بل من التقييم. يبلغ معدل السعر إلى الأرباح الآجلة لمؤشر “إس آند بي 500” حاليًا 23 مرة، وهو أعلى مستوى له منذ أوائل عام 2021.
ويشير هذا التقييم المرتفع إلى أن المستثمرين يدفعون ثمناً باهظاً مقابل كل دولار من الأرباح المتوقعة خلال الـ 12 شهراً القادمة، مما يقلل هامش الأمان في حال لم تتحقق هذه التوقعات الطموحة.
والأمر المثير للقلق هو أن المؤشر لم يتم تداوله بتقييم أعلى بكثير من هذا المستوى إلا في مارس 2000، حيث بلغ معدل السعر إلى الأرباح الآجلة ذروته عند 26.2 مرة قبل انفجار فقاعة الإنترنت. هذا التشابه التاريخي يضع السوق الحالي في منطقة تقييم خطرة، ما يرفع احتمال حدوث تصحيح كبير، خاصة إذا كانت توقعات الأرباح الحالية متفائلة بشكل مفرط.
لكن التباين الأكثر إثارة للقلق بين الحقبتين يكمن في مستوى التركيز. ففي 24 مارس 2000، قبيل الانهيار، كان تركيز المؤشر في أكبر 10 شركات مكونة له يبلغ 29.2% فقط. اليوم، تجاوز هذا التركيز حاجز الـ 40%، مما يشير إلى أن المخاطر المزدوجة – المتمثلة في التقييم المبالغ فيه والتركيز غير الآمن – قد تمثل ضغطاً تراكمياً أكبر على أداء المؤشر مما كان عليه الوضع قبل عقدين من الزمن.
أكبر الشركات وزنًا لدى مؤشر “إس آند بي 500” (بيانات أكتوبر 2025) |
|||
الشركة |
الوزن النسبي في المؤشر |
معدل النمو السنوي المركب للإيرادات على مدار عامين حتى عام 2024 |
مضاعف السعر إلى الربحية المستقبلية |
إنفيديا |
%8.0 |
%113 |
32.3 |
مايكروسوفت |
%6.7 |
%13.3 |
31.8 |
آبل |
%6.7 |
%1.1 |
32.1 |
أمازون |
%3.7 |
%11.4 |
29.7 |
برودكوم |
%2.8 |
%25.5 |
37.2 |
ميتا |
%2.7 |
%18.8 |
24.0 |
ألفابت (الفئة أ) |
%2.5 |
%11.6 |
23.3 |
تسلا |
%2.1 |
%9.5 |
185.4 |
ألفابت (الفئة ج) |
%2.0 |
%11.6 |
23.4 |
بيركشاير هاثاواي |
%1.6 |
%10.9 |
23.4 |
جيه بي مورجان |
%1.5 |
%33.7 |
15.0 |
للتذكير، بعد بلوغ مؤشر “إس آند بي 500” ذروته في مارس 2000، انخفض بنسبة 49.1% حتى أكتوبر 2002، مما أدى إلى خسائر إجمالية للمستثمرين بلغت 47.4% حتى بعد إعادة استثمار الأرباح الموزعة، وهذا يوضح حجم الكارثة التي يمكن أن تسببها الفقاعات المالية المدعومة بالتقييم المبالغ فيه.
ويُعزى الارتفاع القوي في المؤشر خلال العامين الأخيرين إلى توقعات النمو المرتفعة لشركات التكنولوجيا الكبرى مدفوعة بموجة الإنفاق الهائلة على الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، وليس بالضرورة للأرباح الفعلية المستدامة.
ومع اتساع الفجوة بين التقييمات والأساسيات التشغيلية، يوصي الخبراء بضرورة تغيير الاستراتيجية، وتقليل الاعتماد على الصناديق الاستثمارية المرجحة بالقيمة السوقية، والتوجه نحو بدائل مثل الصناديق المتساوية الوزن أو الصناديق ذات التركيز القيمي لتوزيع المخاطر بشكل أكثر توازنًا.
ورغم أن الاستثمار في المؤشر الأمريكي أثبت فعاليته تاريخيًا، يؤكد الخبراء أن الاستراتيجيات الاستثمارية المتوازنة (مثل المحفظة 60% أسهم و40% سندات) غالباً ما تتفوق على المؤشر في فترات التقييم المبالغ فيها، مما يبرز الأهمية القصوى للتوزيع الاستثماري الحكيم وفق الدورة الاقتصادية الحالية لتجنب كارثة محتملة.