المغرب يطلق العنان لطموحاته في “الذهب الأخضر” بمفاوضات استثمارية ضخمة

في خطوة استباقية ومدروسة، أطلقت الحكومة المغربية العنان لعملية التفاوض مع مجموعة من المستثمرين المحليين والدوليين لإنجاز حزمة مشاريع عملاقة في قطاع الهيدروجين الأخضر ومشتقاته. بقيمة إجمالية تُقارب 319 مليار درهم (ما يعادل 32.6 مليار دولار)، يأتي هذا التحرك ليضع المغرب في صدارة سباق الطاقة النظيفة، مؤكداً على رؤيته الاستراتيجية رغم التحديات التي تواجه السوق العالمية.
في الوقت الذي تشهد فيه سوق الهيدروجين الأخضر العالمية حالة من الترقب وبعض الشكوك حول الجدوى الاقتصادية، يبرز المغرب كلاعب رئيسي على الساحة الدولية. لم تكن عملية الاختيار عشوائية، بل جاءت بعد دراسة متأنية قادتها لجنة حكومية متخصصة.
وتضمنت قائمة الشركات المختارة أسماء عالمية مرموقة مثل “أكوا باور” السعودية، و”طاقة” الإماراتية، و”توتال إنرجي” الفرنسية، ما يعكس ثقة كبرى الشركات العالمية في الإمكانات المغربية.
وتتركز هذه المشاريع الطموحة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، مستفيدة من الإمكانات الهائلة للمنطقة في مجال الطاقة الشمسية والريحية.
ولا يقتصر الطموح المغربي على إنتاج الهيدروجين فقط، بل يمتد ليشمل إنتاج مشتقات ذات قيمة مضافة عالية مثل الأمونيا الخضراء، والوقود الاصطناعي، وصولاً إلى الفولاذ الأخضر الذي يعد مطلباً أساسياً للصناعة الأوروبية الساعية إلى خفض انبعاثات الكربون.
تؤكد المصادر الحكومية أن هذه الخطوة ليست اندفاعاً غير محسوب، بل هي جزء من استراتيجية وطنية شاملة. يتمثل جوهر هذه الاستراتيجية في ربط أي قرار استثماري نهائي بضمان وجود عقود بيع طويلة الأمد، سواء مع مشترين محليين أو دوليين.
هذا النهج الحذر يهدف إلى حماية الاستثمارات وضمان الجدوى الاقتصادية للمشاريع في ظل سوق عالمية لا تزال في مراحلها الأولى.
وتعمل المملكة على تهيئة بيئة استثمارية متكاملة لضمان نجاح هذه المشاريع، حيث تم تخصيص مليون هكتار من الأراضي، إضافة إلى خطط طموحة لتطوير البنية التحتية من خلال تأهيل الموانئ، وبناء شبكات أنابيب، وإنشاء محطات تحلية مياه البحر.
كما تقدم الحكومة حوافز ضريبية وجمركية ودعماً مالياً للمستثمرين لتعزيز جاذبية القطاع.
يراهن المغرب على موقعه الجغرافي القريب من أوروبا، التي وضعت هدفاً لاستيراد 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030. وتُشير التوقعات إلى أن المغرب يمكن أن يساهم بأكثر من 4% من الطلب العالمي المستقبلي.
ورغم أن السوق العالمية تواجه تحديات مثل ارتفاع التكاليف وضعف الطلب، مما دفع بعض الشركات العالمية إلى مراجعة خططها أو حتى إلغاء مشاريعها، يبقى المغرب مصمماً على المضي قدماً في رؤيته.
وتُعد هذه الخطوة بمثابة إعلان واضح عن التزام المملكة بالتحول الطاقي، ورهانها على أن “الذهب الأخضر” ليس مجرد وقود للمستقبل، بل هو حجر زاوية في بناء اقتصاد وطني مستدام ومتكامل.