المغرب يدفع بتحول عسكري شامل نحو استقلالية دفاعية وصناعة محلية

في ظل بيئة إقليمية متقلبة تطغى عليها التوترات الداخلية وتزايد المنافسات الجيوسياسية، يمضي المغرب قدمًا في تنفيذ إصلاحات عسكرية شاملة، بحسب دراسة حديثة صادرة عن مركز “African Security Analysis” (ASA)، المتخصص في الشؤون الأمنية الإفريقية.
ووفق الدراسة، لا تعكس هذه التحركات سباقًا نحو التسلح بقدر ما تجسّد توجّهًا واعيًا نحو تعزيز الأمن الحدودي، تقليص الاعتماد على الخارج، وبناء استقلالية استراتيجية متينة.
ووصفت ASA المغرب بأنه الفاعل “الأكثر حزمًا” في منطقة المغرب العربي على مستوى التحول العسكري، مشيرة إلى أن التزاماته المالية في هذا الإطار بلغت نحو 5.4 مليار دولار برسم سنة 2024.
ويتركز الجهد المغربي، وفق الدراسة، على محورين رئيسيين: أولًا، اقتناء منظومات متطورة تشمل بطاريات الدفاع الجوي “باتريوت”، مروحيات “أباتشي”، وطائرات مسيّرة متقدمة. وثانيًا، إرساء قاعدة صناعية عسكرية محلية تُمهّد للتحول من مجرد مستورد للسلاح إلى منتج ومطوّر مستقل.
وتضيف الدراسة أن المغرب نجح في تفعيل اتفاقيات نقل تكنولوجيا مع قوى دولية كبرى، لاسيما الولايات المتحدة، فرنسا، وإسرائيل، حيث وفّر التقارب السياسي والدبلوماسي مع تل أبيب منذ عام 2020 منصة قوية لتسريع مشاريع الإنتاج المحلي، خصوصًا في مجال الأسلحة الخفيفة، الطائرات بدون طيار، والأنظمة القتالية الذكية.
ويُبرز التقرير أن هذا التوجه لا يهدف فقط إلى تحقيق الاكتفاء الدفاعي، بل يسعى أيضًا إلى ترسيخ المغرب كفاعل ومصدّر للخبرات العسكرية، انسجامًا مع الرؤية الاستراتيجية التي يقودها الملك محمد السادس، والتي تضع الأمن الوطني ضمن مكونات السيادة الشاملة للمملكة.
وفي قراءة أوسع للسياق الإقليمي، ترى ASA أن هذه التحولات قد تعيد رسم التوازنات داخل المغرب العربي، في وقت يتميز فيه المغرب بتحالفات استراتيجية غربية وشراكات تكنولوجية متقدمة، مقابل اعتماد الجزائر على ترسانة عسكرية تقليدية ذات منشأ روسي.
أما تونس فتبقي على حيادها الاستراتيجي، في حين تستمر ليبيا في الغرق في نزاعات النفوذ والصراعات بالوكالة.
وتختتم الدراسة بتشخيص واضح: “الدول المغاربية لا تكتفي بمجرد تحديث عتادها العسكري، بل تعيد تعريف دور المؤسسة العسكرية باعتبارها أداة مركزية للمرونة الوطنية وفاعلًا محوريًا في صياغة المعادلات الدبلوماسية الإقليمية”.