المغرب يخطو نحو رسمية العمل عن بُعد في مدونة الشغل

بعد عقدين من القانون الحالي، تستعد الحكومة المغربية لإدراج العمل عن بُعد (Telework) بصيغة قانونية رسمية ضمن مدونة الشغل، في خطوة تأخرت كثيرًا عن مواكبة التحولات التي فرضتها التكنولوجيا وجائحة “كوفيد-19” على سوق العمل.
وقالت مصادر صحفية إن وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات وضعت اللمسات الأخيرة على مسودة أولية تعتمد على تجارب دول أوروبية رائدة مثل فرنسا، بريطانيا، وإسبانيا، في محاولة لتقنين هذا النمط الجديد من التشغيل الرقمي الذي شهد توسعًا كبيرًا وملحوظًا.
هذا المشروع ليس بالأمر الجديد بالكامل؛ إذ سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن أوصى منذ عام 2020 بضرورة تقنين العمل عن بعد باعتباره وسيلة لتعزيز مرونة سوق الشغل وتحسين جودة الحياة المهنية.
لكن الأهم كان التأكيد على ضمان حقوق الأجراء، ومنع استغلال النظام كآلية للهشاشة أو التشغيل غير القانوني، خصوصًا فيما يتعلق بالتعويض عن ساعات العمل الإضافية والتغطية عند وقوع حوادث منزلية.
و في التجارب الأوروبية التي اعتمدت عليها المسودة، تختلف المقاربات:
في فرنسا: ينص الاتفاق الوطني منذ 2005 على أن العمل عن بعد لا يتم إلا برضاء الطرفين، مع إلزام المشغل بتعويض الأجير عن التكاليف المرتبطة بالعمل من المنزل، وتغطية الحوادث، وإتاحة “حق الانفصال الرقمي” خارج ساعات العمل.
في بريطانيا: يمنح القانون منذ 2014 الأجراء حق طلب العمل عن بعد مع إلزامية المشغل بالرد وتبرير أي رفض، بينما تشمل الممارسات حماية الأجراء من تحميل تكاليف إضافية غير متفق عليها.
في إسبانيا: يلزم مرسوم 2020 المؤسسات بإبرام عقود مكتوبة تحدد ساعات العمل والأدوات والتزامات المشغل، مع حماية حقوق الأجراء في الترقية والتكوين.
المسودة المغربية، بحسب المصادر، تسير في ذات الاتجاهات، حيث تقر بأن العمل عن بعد خيار تعاقدي لا يمكن فرضه من طرف واحد، ويجب تضمينه ضمن العقد الأصلي أو ملحقاته.
كما تُلزم المقاولات والهيئات بـاحترام سقف ساعات العمل، وتوفير أو تعويض الأدوات التقنية، مع فتح نقاش حاسم حول تغطية حوادث الشغل المنزلية لضمان حماية العامل.
ويترقب النقابيون هذه الخطوة بحذر، محذرين من أن تتحول إلى “تعاقد مرن” يفاقم هشاشة الشغل، بينما ترى بعض الهيئات المهنية أنها ستوفر وضوحًا قانونيًا يعزز تنافسية المقاولات، خصوصًا في قطاع الخدمات الرقمية الموجهة للأسواق الخارجية.
ويأتي إدراج العمل عن بعد ضمن مراجعة شاملة لمدونة الشغل تشمل تنظيم عمل المنصات الرقمية وضبط ساعات العمل في قطاعات أخرى، لكنه يبقى التعديل الأكثر رمزية، إذ يعكس صراعًا بين متطلبات سوق الشغل المتغير وحقوق الأجراء في بيئة عمل جديدة.
وفي حال اعتماد البرلمان لهذه التعديلات خلال الدورة المقبلة، سيكون المغرب من أوائل الدول العربية التي تقنن العمل عن بُعد ضمن قوانينها، محولًا تجربة فرضتها الجائحة إلى خيار قانوني منظم ومستدام يوفر إطارًا واضحًا لحماية طرفي معادلة التشغيل الجديدة.
المصدر : نيشان