المستثمرون الجدد: هل يسهمون في تحسين الأسواق أم يعززون الفقاعات المالية؟
شهدت أسواق الأسهم في عام 2021 طفرة غير مسبوقة في أسهم شركة “كويدل” للتقنيات الحيوية الطبية، المتخصصة في اختبارات كوفيد-19، حيث اندفع الآلاف من المستثمرين الجدد لشراء أسهمها بسبب انتشار اسم الشركة في منصات التواصل الاجتماعي مثل “ريديت” و”تيك توك”، بعد أن اعتُبرت فرصة استثمارية لا تعوض في ظل الطلب العالمي على الفحوصات أثناء الجائحة.
ونتيجة لهذه الموجة، ارتفع السهم بنسبة أكثر من 150% في فترة زمنية قصيرة، مما عزز الشعور لدى العديد من المستثمرين الجدد بأن الفرصة قد لا تتكرر.
ومع تزايد هذه الحماسة، بدأ الآلاف من المستثمرين الجدد، الذين دخلوا عالم الاستثمار لأول مرة، في شراء الأسهم جماعيًا. ولكن، ما لم يدركه الكثيرون هو أن الشركة تعتمد على منتج مؤقت يرتبط بالجائحة، وأن تقييمها تجاوز الواقع الفعلي.
وعندما بدأت الأخبار تشير إلى انحسار موجات الوباء، بدأ السهم في التراجع الحاد، ليخسر أكثر من نصف قيمته في بضعة أشهر، مما ترك العديد من المستثمرين في حالة صدمة.
ما دفع السهم إلى الارتفاع لم يكن بالضرورة الأساسيات المالية القوية للشركة، بل كان في الغالب نتيجة للمضاربات العاطفية وسلوك القطيع، حيث عجز المستثمرون عن التمييز بين الفرصة الحقيقية والفقاعة المؤقتة.
وهذا النوع من السلوك الجماعي كان موضوعًا لتحذيرات كتاب “المستثمر السلوكي” للمؤلف دانيال كروسبي، الذي سلط الضوء على الجوانب النفسية المؤثرة في قرارات المستثمرين، خاصة الجدد منهم. يرى كروسبي أن المستثمرين الجدد غالبًا ما يواجهون ما يسميه “وهم السيطرة” و”التحيز للجديد”، حيث يعتقدون أنهم قادرون على اقتناص الفرص لمجرد متابعتهم لأخبار التداول عبر الإنترنت أو انضمامهم لمجموعات استثمارية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، يشير الكتاب إلى أن هذا السلوك الجماعي العاطفي قد يؤدي إلى خلق فقاعات غير مستدامة، مما يزيد من تقلبات الأسواق، كما حدث مع أسهم “الميم” في 2021 أو في حالات مماثلة مثل “كويدل”.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد الكتاب على إمكانات التعلم والنضج التي قد يكتسبها هؤلاء المستثمرون بمرور الوقت، في حال توفر لهم بيئة استثمارية منظمة وغنية بالمعرفة.
في السنوات الأخيرة، شهدت الأسواق المالية زيادة غير مسبوقة في دخول المستثمرين الجدد، مدفوعين بسهولة الوصول عبر تطبيقات التداول ووفرة المحتوى المالي على منصات التواصل الاجتماعي.
ففي الولايات المتحدة، فُتح أكثر من 30 مليون حساب تداول جديد خلال عامي 2020 و2021، ما رفع نسبة مساهمة الأفراد في إجمالي التداولات إلى حوالي 25% من السوق، مقارنةً بنحو 12% فقط قبل عقد من الزمان.
كما شهدت أوروبا زيادة في حصة المستثمرين الأفراد من إجمالي الأصول المدارة، حيث ارتفعت من 26% في 2019 إلى 30.8% في 2023.
رغم هذه الزيادة في المشاركة، فإن الأخطاء المتكررة للمستثمرين الجدد قد تؤدي إلى تأثيرات كبيرة على ديناميكيات السوق. ومن أبرز هذه التأثيرات:
موجات الشراء الجماعي تخلق فقاعات مؤقتة:
غالبًا ما يتبع المستثمرون الجدد الزخم السعري دون دراسة كافية، مما يؤدي إلى تضخيم أسعار بعض الأصول بشكل غير مبرر. هذا يؤدي إلى ما يعرف بـ “الفقاعة الصغيرة”، حيث ترتفع الأسعار بشكل حاد ثم تنخفض فجأة.
السلوك الجماعي يغيّر أنماط التداول:
التدفق الجماعي للمستثمرين الأفراد قد يؤدي إلى تحريف الاتجاهات السوقية، حيث يصعب على الأسواق أن تحكمها قوى العرض والطلب المدعومة بالتحليل الأساسي.
الارتباك وقت الأزمات يزيد من حدة التراجعات:
في حالة الذعر، يميل المستثمرون الجدد إلى البيع بسرعة، مما يساهم في تعميق الهبوط في الأسواق.
التشويش على المستثمر المؤسسي:
تسبب السلوكيات الجماعية غير المنطقية في الأسواق في صعوبة تقييم القيمة العادلة للأصول من قبل المستثمرين المحترفين، مما يؤدي إلى بيئة استثمارية أكثر اضطرابًا.
نمو مفرط في التداولات اليومية:
قد يؤدي النشاط المفرط للمستثمرين الجدد إلى زيادة حجم التداولات بشكل غير طبيعي، ما يخلق انطباعًا غير دقيق بقوة السوق.
رغم هذه التحديات، لا يمكن إغفال الجوانب الإيجابية لدخول المستثمرين الجدد، مثل إضافة سيولة للأسواق وتوسيع قاعدة المستثمرين. ولكن الاستفادة من هذه المشاركة تتطلب بيئة استثمارية تعليمية وتنظيمية فعّالة.
ومن أهم الجهود التي يجب اتخاذها تشمل فرض رقابة على منصات التواصل الاجتماعي لتقليل المعلومات المضللة، وتعزيز ثقافة التعلّم المالي بين الشباب، وتشجيع بناء محافظ استثمارية طويلة الأجل تعتمد على أسس علمية بدلاً من الانفعالات اللحظية.
فالأسواق المالية هي مرآة تعكس سلوكيات المتداولين، ومع تزايد أعداد المستثمرين الجدد، تصبح أهمية وعيهم في تشكيل ملامح هذه المرآة أكبر. أخطاء المستثمرين الجدد ليست مجرد دروس شخصية، بل ظواهر قابلة للتكرار قد تؤثر بشكل كبير في استقرار الأسواق المالية.
