المستثمرون أصحاب الشعر الفضي…القوة الصامتة التي تحرك الأسواق العالمية

تغيرت ملامح المشهد المالي العالمي بشكل كبير في العقود الأخيرة، وبرز فيه جيل جديد من القوى المؤثرة: المستثمرون كبار السن، أو ما يُطلق عليهم “أصحاب الشعر الفضي”.
بعد سنوات من الادخار والتراكم، أصبحت هذه الفئة العمرية تسيطر على أغلب الثروة المالية في العالم، لا سيما في أسواق الأسهم وصناديق الاستثمار، مما يمنحها قوة هائلة في توجيه دفة الأسواق وقرارات الشركات.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يتسم كبار السن بالحذر الشديد أم أن خبرتهم الطويلة تجعلهم أكثر قدرة على اغتنام الفرص؟ وهل يعكس حضورهم ثقلاً حقيقياً في السوق اليومي؟
الأرقام لا تكذب. تُظهر بيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أن الأسر التي يتجاوز عمر أفرادها 55 عامًا تمتلك حوالي ثلاثة أرباع الثروة الاستثمارية في الأسهم وصناديق الاستثمار المشتركة. هذه النسبة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا من 68% في عام 2010، مما يؤكد أنهم اللاعب الأكثر وزنًا في السوق.
كما تُبين دراسات أخرى أن نسبة المشاركة في أسواق الأسهم تزداد مع التقدم في العمر، لتصل إلى ذروتها قبيل التقاعد.
لا يقتصر هذا الاتجاه على الولايات المتحدة وحدها. في أوروبا، وتحديدًا في إيطاليا وألمانيا وفرنسا، تظهر بيانات البنوك المركزية أن كبار السن يملكون حصصًا كبيرة من الثروات، وإن كان تركيزهم يختلف بين الأصول الثابتة والادخار والأسهم حسب البلد.
امتلاك كبار السن لحصة الأسد من الأصول المالية والأسهم ليس مجرد مؤشر على تراكم الثروة، بل هو عامل أساسي في تحديد ملامح الأسواق. عندما يتحكم جيل ما بعد التقاعد في النسبة الأكبر من الاستثمارات، تصبح استراتيجيات الشركات وتوجهات مديري الصناديق أكثر حساسية لتفضيلاتهم.
على سبيل المثال، يميل كبار السن إلى الاستثمار في الأدوات التي توفر عوائد منتظمة، مثل التوزيعات النقدية. هذا التفضيل يدفع الشركات إلى تبني سياسات توزيعات أكثر سخاء، ليس فقط لإرضاء المساهمين الحاليين بل لجذب شريحة جديدة من المستثمرين.
نسبة المستثمرين النشطين في الأسهم حسب الجيل – بريطانيا (2025)
الجيل |
الفئة العمرية |
نسبة المشاركة في الأسهم |
جيل زد |
18-27 سنة |
%66 |
جيل الألفية |
28-43 سنة |
%65 |
جيل إكس |
44-59 سنة |
%46 |
كبار السن |
60-75 سنة |
%46 |
بشكل عام، يمكن وصف السلوك الاستثماري لكبار السن بـالحذر. في حين تميل الأجيال الأصغر إلى الانخراط في التداولات اليومية واستخدام أدوات عالية المخاطر مثل المشتقات والعملات الرقمية، يفضل المستثمرون الأكبر سنًا الاستثمار في أدوات أكثر بساطة واستقرارًا كالسندات الحكومية والأسهم الكبرى ذات التاريخ المستقر.
هذا الحذر لا يقلل من أثرهم؛ فقراراتهم الاستثمارية، رغم كونها أقل نشاطًا، قادرة على إعادة توجيه مسارات السيولة وتحديد اتجاهات السوق على المدى الطويل بسبب حجم محافظهم الضخم.
هذا يجعل العلاقة بين الحذر والتأثير متكاملة وليست متناقضة، فكلما زادت نزعة هذه الفئة نحو الاستقرار، زادت قدرة السوق على الالتزام باستراتيجيات أكثر استدامة.
و لا يتوقف نفوذ “أصحاب الشعر الفضي” على حجم ثروتهم الفردية، بل يمتد إلى إدارة مئات المليارات من الدولارات عبر مؤسسات وصناديق يقودها جيل الخبرة.
عدد كبير من الصناديق الاستثمارية ومديري الأصول يقودها أشخاص تجاوزوا سن الـ 55، مستفيدين من خبرتهم الطويلة وشبكات علاقاتهم المتينة.
من أبرز الأمثلة على ذلك، وارن بافيت، الذي لا يزال صوته واحدًا من أكثر الأصوات تأثيرًا في “وول ستريت”. كما يواصل جيمي ديمون، رئيس “جي بي مورغان تشيس”، لعب دور محوري في القطاع المصرفي والاستثماري الأمريكي.
هذه الأمثلة تؤكد أن النفوذ في الأسواق لا يقتصر على الملكية، بل يمتد إلى إدارة الأصول وصياغة القرارات الكبرى.
رغم أن كبار السن يميلون إلى الاستثمار طويل الأجل وتفضيل الأدوات المستقرة على تلك عالية المخاطر، فإن امتلاكهم النصيب الأكبر من الثروة يجعلهم قوة لا يمكن تجاهلها في رسم ملامح السوق. مع تزايد معدلات الشيخوخة السكانية عالميًا، من المتوقع أن يتضاعف تأثيرهم خلال العقود المقبلة.
إن فهم سلوكيات هذه الفئة لم يعد خيارًا ثانويًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية لصناع القرار في الشركات والمستثمرين الأصغر سنًا على حد سواء. إن الأموال التي يديرها المستثمرون كبار السن ليست مجرد أرقام، بل هي عنصر فاعل في تحديد اتجاهات رأس المال ومستقبل الأسواق المالية.