الاقتصادية

الغاز الأميركي بين الطموح التصديري وأزمة الأمن الطاقي الداخلي

يشهد سوق الطاقة الأميركية تحولاً جذرياً، إذ ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي منذ أبريل 2024 إلى مستويات أثارت مخاوف المستهلكين والصناعات المحلية.

فبينما تُرسل كميات قياسية من الغاز إلى الخارج على شكل غاز طبيعي مسال (LNG)، يجري التخطيط لمضاعفة قدرات التصدير بحلول عام 2029، وفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA).

هذا التوسع الكبير يعني ببساطة أن جزءاً متزايداً من إنتاج الغاز الأميركي لن يعود متاحاً للسوق المحلية، وهو ما ينذر بارتفاع تكلفة الكهرباء والتدفئة على الأسر الأميركية، إضافة إلى زيادة أعباء الإنتاج على قطاعات حيوية مثل الكيماويات والصلب والزراعة.

منذ سنوات، تبنت واشنطن استراتيجية “الهيمنة في مجال الطاقة”، التي تقوم على رفع الإنتاج والصادرات مع الحفاظ على أسعار منخفضة محلياً.

غير أن هذه المعادلة تبدو اليوم على وشك الانهيار، مع تسارع الطلب الداخلي على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء.

فقد تضاعف إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي ثلاث مرات منذ عام 2001، في حين تراجع استخدام الفحم واستقر إنتاج الطاقة النووية والمائية دون نمو يُذكر.

ورغم القفزة الكبيرة للطاقة المتجددة، التي باتت تمثل 17% من إنتاج الكهرباء مقابل 18% للطاقة النووية، يبقى الغاز الطبيعي الوقود الأول لتوليد الطاقة في الولايات المتحدة، مساهماً بنسبة 43% من الإنتاج الكهربائي.

ما يُعرف بـ “ثورة الغاز الصخري” منح الولايات المتحدة عقداً من الوفرة الطاقية، جعل الغاز الطبيعي الرخيص دعامةً لصناعة الكيماويات والأسمدة والبلاستيك. لكن هذه الوفرة بدأت تواجه تحديات جديدة مع تزايد الطلب المحلي وارتفاع الصادرات في آنٍ واحد.

فبينما تتوقع شركات الطاقة استمرار نمو الإنتاج حتى منتصف القرن، تشير تقارير مستقلة إلى أن إنتاج الغاز الصخري قد يقترب من ذروته قريباً، ما قد يؤدي إلى ضغط مزدوج على السوق: تراجع المعروض محلياً بالتزامن مع زيادة الطلب الخارجي.

سمحت وزارة الطاقة الأميركية بتوسيع صادرات الغاز المسال بناءً على فرضية “الوفرة غير المحدودة”، لكن الواقع الجديد يعني أن الأسعار المحلية بدأت تتأثر تدريجياً بالتقلبات في الأسواق العالمية، التي غالباً ما تكون أعلى بكثير من الأسعار الأميركية السابقة.

وبينما ترى شركات الغاز أن من حقها بيع إنتاجها في الأسواق الأكثر ربحية، يزداد الحديث داخل الأوساط السياسية عن ضرورة الحفاظ على قدر من “السيادة الطاقية” لتأمين حاجيات الأسر والصناعات المحلية.

يحذر محللون من أن استمرار ارتفاع الأسعار قد يؤدي إلى ضغط شعبي على الإدارة الأميركية لإعادة النظر في عقود تصدير الغاز الطبيعي المسال، وربما فرض قيود على الكميات المخصصة للأسواق الخارجية في حال تفاقم أزمة الإمدادات الداخلية.

ففي ظل سباق التسلح الاقتصادي العالمي حول الطاقة، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة للاختيار بين هدفين متناقضين: تعزيز نفوذها في أسواق الغاز العالمية أو حماية أمنها الطاقي الداخلي.

وفي ختام التحذيرات، يشير المراقبون إلى أن “الساعة بدأت تدقّ”، في إشارة إلى ضيق الوقت أمام صانعي القرار الأميركيين لتحقيق توازن استراتيجي بين الطموح التصديري واحتياجات المستهلكين في الداخل.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى