الاقتصادية

الغاز الأمريكي بين وفرة التصدير وغلاء الأسعار…معضلة إدارة ترامب تتعمّق

تراجعت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة هذا الأسبوع إلى أدنى مستوياتها في أسبوعين، لتستقر عند 3.03 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وسط توقعات بأجواء أكثر اعتدالاً خلال الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من هذا الانخفاض الطفيف، فإن الأسعار ما تزال أعلى بكثير من مستوياتها في أكتوبر 2024، بفعل الارتفاع القوي في صادرات الغاز الطبيعي المسال (LNG)، وهو ما يضع إدارة الرئيس دونالد ترامب أمام معادلة معقدة تجمع بين الطموح الجيوسياسي وضغوط الأسعار الداخلية.

فعند توليه الرئاسة، وعد ترامب بجعل الطاقة في متناول المواطنين، مع تحويل الولايات المتحدة إلى قوة طاقة عالمية مهيمنة.

لكن في حالة الغاز الطبيعي، يبدو تحقيق هذين الهدفين معًا أمرًا متناقضًا، إذ يؤدي تعزيز الصادرات إلى دعم الأسعار في الأسواق العالمية، لكنه يرفع التكلفة على المستهلكين داخل البلاد.

وخلال الأشهر الأخيرة، سجلت صادرات الغاز المسال الأمريكي أرقامًا قياسية جديدة، حيث بلغت في سبتمبر 9.4 ملايين طن مقابل 9.3 ملايين في أغسطس، مع توقعات بمزيد من الارتفاع خلال أكتوبر، خصوصًا مع تسارع أوروبا إلى تخزين الغاز استعدادًا لفصل الشتاء.

ومع هذا الطلب العالمي المتزايد، يواجه منتجو الغاز الأمريكيون تساؤلاً حاسمًا: هل يمكنهم الحفاظ على وتيرة الإنتاج الحالية؟ — والأهم، هل يرغبون بذلك في ظل تقلبات الأسعار؟

يشير محللون إلى أن منتجي الغاز، مثل نظرائهم في قطاع النفط، يتجنبون زيادة الإنتاج المفرطة عند انخفاض الأسعار لتفادي الخسائر. إلا أن الوضع الحالي مختلف؛ فالأسعار ارتفعت بأكثر من دولار واحد خلال العام الماضي، فيما تبدو آفاق الطلب أكثر إشراقًا بفضل النمو في مراكز البيانات المحلية وازدياد مشتريات أوروبا من الغاز الأمريكي.

وبذلك، تحقق واشنطن ما تسميه “الهيمنة في سوق الطاقة”، لكن على حساب الوعود بخفض الأسعار داخليًا.

ووفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، فإن حقول الغاز الصخري الأمريكية التي قادت طفرة الإنتاج في العقد الماضي بدأت تدخل مرحلة النضوج، ما يجعل استخراج الغاز أكثر تكلفة مع مرور الوقت.

ومع تراجع إنتاجية الآبار الغنية أو ما يُعرف بـ sweet spots، يتجه المنتجون نحو مناطق أقل كفاءة وأعلى كلفة، ما يعني أسعارًا مرتفعة مستقبلاً سواء في الداخل أو الخارج.

ويقدّر خبراء في القطاع أن الشركات بحاجة إلى سعر لا يقل عن 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لضمان استدامة الإنتاج، أي ما يعادل ضعف السعر الحالي تقريبًا.

لكن عدم الوصول إلى هذا المستوى سيؤدي إلى تراجع الاستثمار والحفر، ومن ثم تقلص العرض وارتفاع الأسعار مجددًا.

ويشير المحلل في شركة وود ماكنزي، يوجين كيم، إلى أن تلبية الطلب المتزايد على الغاز من قطاع البيانات والتزامات التصدير “تتطلب أسعارًا أعلى، وهو ما يتناقض تمامًا مع طموح ترامب في جعل الطاقة أرخص”.

تجربة النرويج تقدم مثالًا مشابهًا؛ إذ تسبب توسع صادرات الغاز والكهرباء إلى أوروبا قبل عامين في ارتفاع الأسعار محليًا، مما أجبر الحكومة على فرض قيود لحماية المستهلكين.

وتتوقع شركة شل أن يرتفع الطلب العالمي على الغاز المسال بنحو 60% بحلول عام 2040، مدفوعًا بالحاجة إلى الطاقة في قطاعات الكهرباء والصناعة والنقل. أما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فتقدّر أن صادرات الغاز المسال قد تقفز من 14 مليار قدم مكعب يوميًا في منتصف 2025 إلى 27 مليارًا خلال العقد المقبل.

هذا السيناريو يمثل فرصة ذهبية لمنتجي الغاز الأمريكيين، لكنه في الوقت نفسه تحديًا سياسيًا واقتصاديًا لترامب، الذي يسعى إلى تحقيق توازن بين أسعار مستقرة محليًا وطموح تصديري متنامٍ. ومع تضاؤل إنتاجية الحقول وارتفاع تكاليف الاستخراج، يبدو أن عصر الغاز الرخيص في أمريكا يقترب من نهايته.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى