الطاقة الخضراء في مفترق الطرق…هل يواجه التحول الطاقي أزمة استدامة؟

في العقد الماضي، برزت الطاقة الخضراء كأمل عالمي لمواجهة تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة، مع تدفق استثمارات قياسية في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين وغيرها من التقنيات النظيفة.
أوروبا، الولايات المتحدة، والصين كانت على رأس الدول التي قادت هذه الثورة، مدفوعة بحوافز حكومية ضخمة ورؤى طموحة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
لكن مع دخولنا عام 2025، بدأت ملامح تباطؤ في هذا الزخم تتضح، مما يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة هذا النمو على الاستمرار، خاصة في ظل بيئة اقتصادية وسياسية معقدة ومتقلبة.
تشير البيانات الحديثة إلى أن الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة، رغم ارتفاعه الملحوظ في عام 2024، يشهد في عام 2025 تباطؤًا ملحوظًا.
ففي الولايات المتحدة، شهد الربع الأول انخفاضًا بنسبة 3.8% في استثمارات الطاقة المتجددة مع إلغاء عدة مشاريع كبرى بسبب انعدام اليقين السياسي وضغط التكاليف.
بالمقابل، في آسيا، أعادت بعض شركات النفط الكبرى تقييم استراتيجياتها، وقلصت استثماراتها في تقنيات إزالة الكربون مثل الهيدروجين، متجهة إلى الوقود الأحفوري كخيار أكثر استقرارًا في ظل ارتفاع النفقات.
تطور الاستثمارات العالمية في الطاقة النظيفة (2020-2025)
السنة |
إجمالي الاستثمارات (بالتريليون دولار أمريكي) |
نسبة التغير (%) |
2020 |
0.92 |
61 |
2021 |
1.2 |
27 |
2022 |
1.5 |
25 |
2023 |
1.9 |
26 |
2024 |
2.1 |
11 |
2025 (توقعات) |
2 |
-5 |
أما أوروبا، فمع موجة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، فقد شهدت تراجعًا حادًا في تمويل مشاريع الرياح البحرية بنسبة 66% في بداية 2025، حيث دفعت العقبات المالية والتنظيمية الحكومات والشركات إلى تأجيل أو إلغاء مشاريع كبرى.
حتى الصين، الرائدة في إنتاج الطاقة المتجددة، بدأت تظهر بوادر تشبع في السوق مع ضغط مالي على الحكومات المحلية، مما دفع إلى تحوّل تركيزها نحو تحسين كفاءة المشاريع بدلاً من التوسع الكمي.
تتعدد الأسباب، لكنها تتركز في ارتفاع تكاليف التمويل بسبب رفع أسعار الفائدة، اضطرابات سلاسل التوريد العالمية، والتقلبات السياسية، خصوصًا في الولايات المتحدة وأوروبا.
رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة لأعلى مستوى خلال 20 عامًا أدى إلى زيادة أعباء تمويل المشاريع، ما تسبب في تأخير أو إلغاء عدد من المشاريع الضخمة.
كما أدى غموض السياسات الحكومية حول الحوافز الضريبية إلى تراجع ثقة المستثمرين، بينما العقبات التنظيمية والبيروقراطية في أوروبا ساهمت في إبطاء وتيرة تنفيذ المشاريع الطموحة.
تطرح الأسواق اليوم تساؤلات حول ما إذا كان التراجع الحالي ما هو إلا فقاعة انفجرت بعد سنوات من الاستثمار السريع، أو مجرد تصحيح مؤقت في ظل ظروف اقتصادية وجيوسياسية غير مستقرة. فقد خسرت بعض شركات الطاقة المتجددة نسبة كبيرة من قيمتها السوقية، مما أثار مخاوف بشأن استمرارية النمو.
مع ذلك، يؤكد خبراء أن ما نشهده ليس انهيارًا كاملاً، بل هو إعادة ضبط ضرورية لاستراتيجيات الاستثمار، مع توقعات بأن يعود القطاع إلى مسار النمو مع استقرار السياسات وتوفر التمويل.
إن التباطؤ في استثمارات الطاقة الخضراء عام 2025 لا يعني نهاية رحلة التحول الطاقي، بل يشكل تحذيرًا هامًا لإعادة النظر في السياسات والأدوات التمويلية والتنظيمية. إن النجاح في بناء مستقبل طاقي مستدام يتطلب بيئة مالية مستقرة، وضوحًا في السياسات الحكومية، وإدارة فعالة لسلاسل الإمداد، والتغلب على التحديات البيروقراطية.
التحول نحو طاقة نظيفة ومستدامة لا يزال هدفًا حيويًا، لكن مفتاح النجاح يكمن في التعامل الذكي مع التحديات الراهنة لا مجرد التطلع إلى الطموحات المستقبلية.