الصين تُجدد رهانها على التصنيع والتكنولوجيا لمواجهة الضغوط الغربية وموازنة اقتصادها

تُعكف حكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ على إعداد نسخة جديدة من خطتها الاستراتيجية لتعزيز الصناعات التكنولوجية المتقدمة، في إشارة واضحة إلى تمسكها بخيار التصنيع كركيزة للنمو، بالرغم من الضغوط الأميركية الرامية لإعادة توطين الصناعات داخل الولايات المتحدة.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن النسخة الجديدة ستكون تطويرًا لمبادرة “صُنع في الصين 2025″، مع تركيز أكبر على معدات تصنيع أشباه الموصلات، دون أن تُحمل بالضرورة نفس الاسم لتجنب الانتقادات الغربية.
وقد تكون الخطة جاهزة للإعلان في أي وقت، بينما تُعد السلطات بالتوازي الخطوط العريضة للخطة الخمسية المقبلة التي تبدأ في 2026، والتي ستركز على الحفاظ على مساهمة قطاع التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي بمستويات مستقرة.
ورغم نقاشات داخلية حول إدراج هدف رقمي لنسبة استهلاك الأسر في الناتج المحلي، تميل الحكومة إلى رفض الفكرة بسبب ضعف أدواتها لتحفيز الطلب الأسري وعدم استعدادها للالتزام بأرقام محددة.
تأتي هذه التحركات في ظل استمرار التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، حيث فرضت إدارة ترمب تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات الصينية، وتُمارس ضغوطاً من خلال قيود على صادرات التكنولوجيا ومواد التصنيع المتقدمة.
وتسعى واشنطن لدفع الصين إلى زيادة الاستهلاك المحلي مقابل تقليص الاعتماد على التصنيع الموجه للتصدير، ضمن ما يُعرف بسياسة “فك الارتباط الاستراتيجي”.
في المقابل، تُبقي بكين على قيودها فيما يخص تصدير المعادن النادرة، وتُواصل تطوير قدراتها الذاتية في مجالات مثل صناعة الرقائق، التي تعتبرها أساسًا للأمن القومي والابتكار الصناعي.
رغم أن القيادة الصينية تُعلن باستمرار نيتها تعزيز الاستهلاك الداخلي كوسيلة لمواجهة التباطؤ في الصادرات، إلا أن إجراءاتها الفعلية في هذا الإطار ظلت محدودة.
ويُشكل الاستهلاك نحو 40% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بـ 50 إلى 70% في الدول المتقدمة، وهو ما يعكس اختلالاً هيكلياً في بنية الاقتصاد الصيني.
من جهة أخرى، تُمثل الاستثمارات، وخصوصًا في قطاع التصنيع، حصة موازية (40%) من الاقتصاد، وهي نسبة تُعد من بين الأعلى عالميًا.
منذ إطلاق خطة “صُنع في الصين 2025” في عام 2015، حققت بكين تقدماً ملحوظاً في العديد من المجالات الصناعية والتقنية. ووفق بيانات “بلومبرغ”، تُعد الصين رائدة اليوم في خمس من أصل 13 تقنية حيوية، من السيارات الكهربائية إلى الروبوتات الصناعية.
لكن المعركة الأهم تدور حول أشباه الموصلات، حيث تسعى الصين إلى تجاوز القيود المفروضة على استيراد المعدات المتطورة من شركات غربية مثل ASML الهولندية وTokyo Electron اليابانية. وبينما كانت الصين قد استفادت من مخزون سابق من هذه المعدات، فإن فقدان الوصول للتقنيات الحديثة يجعل تطوير بدائل محلية أمراً مصيرياً.
في ظل الحساسية السياسية المحيطة باسم “صُنع في الصين 2025″، تتجه الحكومة إلى استخدام مصطلح بديل هو “القوى الإنتاجية الجديدة”، والذي يشمل صناعات مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والبطاريات.
وتُعد هذه القطاعات محورية في الخطط الجديدة التي تُعدها الجهات الحكومية، حيث تهدف إلى تجاوز “عنق الزجاجة” في التقنيات الاستراتيجية، مع التركيز على تعزيز الطلب المحلي في المرتبة الثانية من حيث الأولوية.
بينما تُراهن الولايات المتحدة على تقييد نفوذ الصين التكنولوجي وتحفيز اقتصادها الاستهلاكي، تبدو بكين مصممة على تعزيز قدراتها التصنيعية الذاتية، والاستمرار في طريقها نحو التحول إلى قوة صناعية عظمى بحلول عام 2049. التوازن بين التصنيع والاستهلاك سيبقى التحدي الأكبر، لكن رسائل القيادة الصينية تؤكد أن الابتكار والسيادة الصناعية يأتيان أولاً.