الصين تبتكر نظامًا عالميًا لتداول الذهب باليوان ويعيد رسم الخريطة المالية الدولية

بينما تتصارع القوى الاقتصادية الكبرى للحد من هيمنة الدولار، تواصل الصين بهدوء بناء ما يُعرف بمشروع “طريق الذهب”، وهو مبادرة مالية غير مسبوقة تهدف لربط خزائن الذهب بين دول “بريكس” ومشاريع “الحزام والطريق”، لتأسيس نظام بديل لتسعير الذهب والتجارة عبر اليوان، في خطوة استراتيجية لتعزيز نفوذها النقدي على الصعيد العالمي.
أطلقت بورصة شنغهاي للذهب مشروع “طريق الذهب” عام 2022، بهدف دمج خزائنها المحلية ضمن شبكة دولية متطورة تقنيًا، لتسهيل تداول الذهب وتخزينه ومتابعة مساره عالميًا.
وتركز هذه المبادرة على تقليل الاعتماد على مراكز الذهب التقليدية في لندن ونيويورك، حيث يواجه المعدن خطر المصادرة في الأزمات الدولية.
في 26 يونيو، افتتحت بورصة شنغهاي أول خزينة خارجية لها في هونج كونج تحت إدارة بنك الصين، لتبدأ مرحلة جديدة من عولمة الذهب الصيني المقوم باليوان.
وتشمل العقود المقدمة ذهبًا بدرجة نقاء 99.99% و99.5%، مع خيارات للتسويات الفورية والمستقبلية ومشتقات مالية، كلها مُسعّرة باليوان.
تمتاز شبكة “طريق الذهب” بمواقعها في المراكز المالية العالمية، ما يتيح تداول عقود الذهب باليوان مع تسليم فعلي خارج الصين.
وتوفر هذه البنية التحتية الجديدة إزالة الحواجز الجمركية والتنظيمية، وخلق نظام تداول عالمي متواصل في آسيا، الشرق الأوسط وأوروبا على مدار الساعة.

تتجاوز الخزائن الجديدة كونها مجرد مرافق تخزين، فهي منصات متقدمة للتسليم الفعلي للذهب، مجهزة بتقنيات “البلوك تشين” والتتبع اللحظي للأرصدة. يضمن هذا النظام شفافية كاملة في حركة المعدن الأصفر ويقلل من المخاطر التشغيلية أثناء المقاصة عبر الحدود، ويؤمن الذهب ضد تجميد الأصول في الأزمات الدولية.
اعتبارًا من يوليو، صنف الذهب ضمن الأصول السائلة عالية الجودة من الفئة الأولى وفق لوائح بازل 3 المصرفية، مما يسمح للبنوك باحتساب الذهب المادي بنسبة 100% من قيمته السوقية ضمن احتياطياتها الرأسمالية، مثلما يتم مع النقد، بدلًا من تخفيض قيمته كما كان في السابق.
تعتمد البنية اللوجستية الغربية على ستة عناصر رئيسية: المصاهر المعتمدة، الخزائن المؤمنة، وسائل النقل، الموانئ والجمارك، أطر الامتثال، وأنظمة التحقق وإدارة المخاطر. جميعها صُممت لضمان الشفافية، تتبع الملكية، ومقاومة تداول الذهب غير المشروع.

تشكل شبكة الخزائن العالمية محور استراتيجية الصين لتوسيع استخدام اليوان عالميًا. من خلال بنية تحتية تدعم تداول الذهب باليوان، تعزز الصين مكانة عملتها في أسواق السلع الدولية، ما يخلق طلبًا طبيعيًا ومستمرًا على اليوان.
من المتوقع أن يرفع مشروع “طريق الذهب” الضغوط الصعودية على أسعار الذهب العالمية، نتيجة زيادة الطلب المؤسسي على الذهب المادي الآمن والمحصّن من العقوبات، إضافة إلى تقليص المعروض للتداول الحر مع تركيز بورصة شنغهاي على التخزين ضمن نظام التسليم الفعلي.
تتمتع الصين بنهج طويل المدى، ووسط العقوبات الغربية المفروضة على روسيا ودول أخرى، يمثل مشروع “طريق الذهب” شبكة اقتصادية مستقلة عن التدخل السياسي الغربي. وقد تبرز الصين أمثلة مثل ذهب فنزويلا، الذي يقدر بأكثر من مليار دولار ومجمد لسنوات في بنك إنجلترا، كحالة توضح أهمية النظام الجديد.




