الاقتصادية

السيطرة على الفائض وحروب الأسعار…الصين تتصدّى للمنافسة المفرطة المدمرة

تختلف الصين جذريًا عن الدول الأخرى في تعاملها مع المنافسة الاقتصادية؛ فبينما تسعى الحكومات عادةً لمنع الاحتكارات وتشجيع المنافسة الصحية، تواجه الصين اليوم ظاهرة “المنافسة المفرطة المدمرة” التي تهدد الشركات المحلية وتزيد الضغوط الانكماشية على اقتصاد البلاد.

عندما تبرز تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي أو منتجات واعدة كالسيارات الكهربائية، يتدفق عشرات وحتى مئات الشركات على هذه القطاعات الناشئة، لتكثف الإنتاج وتخفض التكاليف في معركة شرسة على الحصة السوقية.

ومع الوقت، تصبح المنافسة قاسية لدرجة أن الشركات تعاني من هوامش ربح ضئيلة أو حتى خسائر مستمرة لمجرد البقاء في السوق.

تضاف إلى ذلك توجهات الحكومات المحلية التي تسعى لتعزيز النمو وخلق فرص العمل، فتمنح إعانات وحوافز ضريبية تشجع على الاستثمار المكثف.

لكن هذا الدعم، كما انتقدته القيادة المركزية، أدى إلى تفاقم فائض الإنتاج، مما تسبب بانكماش الأسعار بشكل حاد.

يخلق هذا الواقع حالة فريدة، حيث تسيطر الشركات الصينية بشكل جماعي على قطاعات معينة، لكن كل شركة على حدة تكافح للحفاظ على ربحية مستقرة. هذا يشكل تحديًا للسياسات الحكومية التي اعتمدت على التصنيع والتصدير كرافعة للنمو الاقتصادي.

نماذج من حروب الأسعار

القطاع

التوضيح

السيارات الكهربائية

خفضت “بي واي دي” وغيرها من الشركات المحلية أسعار مركباتها ما عزز حرب الأسعار الشرسة في القطاع وشكل حالة من المنافسة غير المنطقية، ودفع رابطة مصنعي السيارات الصينية إلى التحذير من مخاطر حروب الأسعار.

ذكر “فيليبي مونوز” محلل السيارات لدى “جاتو” أنه مع تشبع السوق بالعديد من العلامات التجارية والطرازات المشابهة يرى مصنعو السيارات الذين لا يرغبون في خسارة حصتهم السوقية أن السبيل الوحيد للاستمرار على الأقل على المدى القصير هو خفض الأسعار.

سوق توصيل الطعام

دفعت المنافسة المفرطة في السوق مجموعة “علي بابا” و”جيه دي دوت كوم” إلى تقديم خصومات هائلة لمنافسة “ميتوان” في ذلك القطاع.

أبدى الرئيس الصيني شي جين بينغ قلقه من هذه المنافسة المفرطة خلال اجتماع عقد مؤخرًا، حيث تعهد باتخاذ إجراءات صارمة لوقف انخفاض الأسعار والمنافسة غير المنظمة، محذرًا من الإفراط في الاستثمارات في قطاعات الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، التي تركزت فيها الاستثمارات ما زاد من فائض الطاقة الإنتاجية.

تتعهد الحكومة بتشديد القوانين على الشركات التي تلجأ إلى خفض الأسعار بشكل مفرط، وتقليل الدعم الذي تقدمه الحكومات المحلية، إلا أن هذا التحدي معقد خاصة أن القطاعات التي تشهد حروب أسعار مثل الألواح الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية تهيمن عليها شركات خاصة.

منذ جائحة كورونا، وبسبب ركود سوق الإسكان، أصبح المستهلك الصيني أكثر حساسية للأسعار، مما دفع شركات صناعة السيارات إلى تقديم خصومات كبيرة لتعزيز المبيعات، ما عمّق المنافسة وأسفرت عن حرب أسعار لا رابح فيها.

هذه الحروب تؤثر سلبًا على الأجور والإيرادات الضريبية، وتثقل كاهل الاقتصاد العام، كما تشجع المستهلكين على تأجيل الشراء على أمل انخفاض الأسعار أكثر.

أشارت صحيفة “كيوشي” التابعة للحزب الشيوعي إلى أن فائض الطاقة الإنتاجية يؤثر ليس فقط على الصناعات التقليدية مثل الصلب والأسمنت، بل امتد ليشمل القطاعات الناشئة مثل الألواح الشمسية والبطاريات والمركبات الكهربائية والتجارة الإلكترونية.

حذرت الصحيفة من أن المنافسة السعرية الشرسة قد تدفع الشركات إلى خفض جودة منتجاتها، ما يضر بالمستهلكين على المدى الطويل.

ويرجح اقتصاديون أن الحكومة قد تضطر إلى إجبار بعض الشركات على تقليل الطاقة الإنتاجية أو إغلاق المصانع القديمة، وربما تشديد المعايير البيئية لتصفية الشركات الأقل كفاءة.

بعد محاولات الصين نفي الاتهامات بأنها تغمر الأسواق العالمية بسلع منخفضة التكلفة، تواجه اليوم تحديًا داخليًا يتمثل في فائض الطاقة الإنتاجية وحرب الأسعار التي تهدد نموها الاقتصادي.

قد تضطر الحكومة إلى التدخل لتنظيم الأسعار وتقليص الطاقة الإنتاجية، في وقت تسعى فيه للتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، مما يزيد من أهمية ضبط هذه الأزمة داخليًا.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى