الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل المشهد المالي العالمي..تحديات وفرص

تعيش الاقتصادات العالمية لحظة تحوّل غير مسبوقة مع تصاعد موجة الذكاء الاصطناعي، حيث تقف التكنولوجيا على أعتاب تغيير جذري في مختلف القطاعات، ويبدو أن القطاع المالي في قلب هذا التحول، لا على هامشه.
تشير تقديرات عالمية إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستُضيف نحو 13 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030.
هذا التحوّل لا يُبشّر فقط بطفرة في الإنتاجية، بل يُعد بإعادة رسم مشهد التكاليف والوظائف، ودفع المؤسسات نحو ابتكار نماذج تشغيل أكثر كفاءة.
بدأت المؤسسات المالية الكبرى بالفعل في تسريع وتيرة اعتماد الذكاء الاصطناعي، إذ تُوظف هذه التكنولوجيا لتحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز قدراتها التحليلية، وتقديم خدمات مالية أكثر تخصيصًا وتفاعلية.
من اكتشاف الاحتيال في الوقت الحقيقي إلى التداول الذكي، أصبحت تطبيقات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من البنية المالية العالمية.
رغم الحماسة الواضحة، لا تزال العديد من المؤسسات المالية تُعاني من ضعف البنية التحتية التقنية، ونقص الكفاءات المتخصصة.
تُظهر دراسة أجرتها شركة “ديجيتال ريالتي” أن 34% من مسؤولي تكنولوجيا المعلومات في المؤسسات المالية البريطانية يعترفون بعدم استعدادهم الكامل لتكامل الذكاء الاصطناعي في أنظمتهم.
وتنضم إليهم أيرلندا بنسبة 27%، وهولندا 23%، وألمانيا بنسبة 18%، ما يعكس تحديًا عالميًا يتطلب استراتيجيات متكاملة لسد فجوة الجاهزية.4.
أهمَّ 5 خطوات للاستعداد لمواكبةِ الانتشارِ المتسارعِ للذكاء الاصطناعي |
||
أولاً: مراجعة العمليات واختيار ما يجب أتمتته
|
|
– قبل الانخراط في سباق الذكاء الاصطناعي، من الضروري أن تبدأ المؤسسات بمراجعة شاملة لعملياتها التشغيلية؛ لتحديد أي منها يمكن أتمتته لتحرير وقت الموظفين للتركيز على مهام ذات قيمة أعلى. – ومن المهم إجراء مناقشات مع القوى العاملة لتحديد العمليات الروتينية والمملة، وتلك التي يمكن تنفيذها باستخدام الأساليب الآلية. – ففي قطاع الخدمات المالية، باتت حلول الذكاء الاصطناعي قادرة على تحقيق خدمات عملاء فائقة التخصيص، وتحسين نماذج تقييم المخاطر، وتسريع معالجة المعاملات اليومية. – ويتعين على الشركات في هذا القطاع مواصلة التقييم المتكرر لعملياتها لضمان تطبيق الذكاء الاصطناعي على النحو الأمثل لتحقيق أقصى قدر من كفاءة العمليات في جميع أنحاء المؤسسة. |
ثانيًا: إشراك الكوادر البشرية وتثقيفها |
|
– من المعروف أن التحول الرقمي لا ينجح بدون العنصر البشري؛ ورغم القلق المتصاعد بين الموظفين من فقدان وظائفهم لصالح الأنظمة المؤتمتة، فإن إدماجهم في مراحل تخطيط تقنيات الذكاء الاصطناعي وتنفيذها من شأنه أن يبدد هذه المخاوف. – يجب أن يُنظر للذكاء الاصطناعي في بيئات العمل المالية، كأداة مساعدة، تعفي الموظفين من المهام الرتيبة، وتتيح لهم التركيز على أعمال أكثر قيمة مثل تحليل البيانات المعقّدة أو التفاعل الإنساني مع العملاء. – ومن المهم غرس ثقافة تعاونية تعزز العلاقة بين الإنسان والآلة، ضمانًا لقبول التغيير ومُضيه قدمًا. |
ثالثًا: تطويرُ البنيةِ الأساسية |
|
– يتطلب أي استخدام فعّال للذكاء الاصطناعي معالجة كميات ضخمة من البيانات. – وهنا تبرز الحاجة إلى بنية أساسية تقنية قوية، قادرة على الاستجابة للزخم المتزايد من المعاملات والمعطيات. – ولا يخفى على أحد أن الشركات ذات البنية القديمة تواجه تحديات مالية وفنية في التحديث، لكن قد يشكّل خيار التعاون مع مزودي خدمات سحابية ومراكز بيانات متخصصة الحل الأمثل. – ولا تقتصر الميزة هنا على الأداء، بل تشمل أيضًا خفض تكاليف التشغيل، وقابلية التوسع اللامحدودة، وتعزيز معايير الأمان، وتوفير منصات تحليل مركزية تسرّع عمليات اتخاذ القرار. |
رابعًا: تبنّي رؤية استراتيجية متكاملة للذكاء الاصطناعي |
|
– إن تطبيق الذكاء الاصطناعي ليس قرارًا تقنيًا فحسب، بل خطوة استراتيجية يجب أن تُبنى على رؤية واضحة المعالم. – وهنا يتعيّن على المؤسسات المالية أن تضع خارطة طريق تشمل مراحل النشر، وآليات الرقابة، وتفاعل أصحاب المصلحة، وخاصة العملاء. – كما يجب أن تُترجم رؤية الذكاء الاصطناعي إلى أهداف قابلة للقياس، مثل: تقليل نسب الاحتيال، وتحسين دقة الخدمات، وتسريع معالجة المعاملات، وذلك ضمن بيئة آمنة وممتثلة للتنظيمات المالية المعقّدة. |
خامسًا: التعلّم من التجارب… والنظر خارج حدود القطاع |
|
– تشكّل التجارب السابقة، سواء الناجحة أو المتعثرة، كنزًا معرفيًا لا ينبغي تجاهله. – لذا يتعين على المؤسسات المالية أن تنظر إلى استراتيجيات الشركات الرائدة، لا داخل القطاع فقط، بل حتى خارجه. – فالذكاء الاصطناعي ليس محصورًا بتطبيقات محددة، لكنه يتطلب وعيًا بمخاطره المحتملة، مثل التحيز في الخوارزميات أو سوء استخدام البيانات. – من هنا، فإن استيعاب دروس الآخرين وتفادي تكرار أخطائهم هو جزء لا يتجزأ من الاستعداد الناجح. |
الذكاء الاصطناعي لم يعُد مجرد أداة، بل أصبح عصبًا حيويًا في وظائف مثل الأمان السيبراني، والمراقبة، وتحليل الأنماط، وحتى في أتمتة تداول الأوراق المالية.
لكن تطلعات المستقبل تتجاوز ما هو قائم اليوم، إذ تتجه المؤسسات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير حلول استثمارية ذكية، وتحليلات تنبؤية دقيقة، وأتمتة معاملات معقّدة كانت في السابق تتطلب تدخّلًا بشريًا مباشرًا.
التحوّل القادم لا يقتصر على تحديث الأدوات، بل يمتد إلى إعادة تشكيل النموذج المالي نفسه، حيث تصبح العلاقة بين المؤسسات والعملاء أكثر ذكاءً وتفاعلية وشفافية.
وتلعب الحوسبة السحابية دورًا جوهريًا في هذا التحوّل، من خلال توفير بنية تحتية مرنة وقابلة للتوسّع تتيح معالجة البيانات وتكاملها بكفاءة.
لا يُمثل الذكاء الاصطناعي نهاية لدور الإنسان، بل بداية لمرحلة جديدة من التكامل الذكي، حيث تُصبح المؤسسات المالية أكثر سرعة واستجابة، وأكثر قدرة على مواجهة تقلبات الأسواق.
في ظل هذا التحوّل المتسارع، لم يعُد التكيّف مع الذكاء الاصطناعي خيارًا، بل ضرورة للبقاء في مشهد مالي يُعاد رسمه يومًا بعد يوم.